الرَّحالة/ عبد المحمود
في مماهِد بأنفاس الشريف والمحمود عن الراحل الخالِد د. الخواجة وتحية عالية للشيخ/ محمد صالح عبد الرحيم عبر مشارِف جدَّه، وتسعون سَطْرُ رثائية مُقفىَّ.
سبق لمواسيكم الكاتب أن بعث للبعض بنصَّ صوتي عقِب الكِتابي الأول بتلقائيته وبساطته وسرعته – الذي عبره نعَيْنا بكل حُرقة فقيد المبادئ والحق الدكتور الحقيق بالدرجة الكامِلة/ محمد عبد الرحمن مَن أمَّ بالعزائم الماضية فخَلُدَ حاضراً ومُستقبلاً، ولعل أخي ابن خالتي وعمي الأستاذ/ مهيار لهو الأبلغ مني موضحةً لما تجلَّى به من بهي الإشارات أثناء مجلس التأبين ولحسن الحظ لمسجول وله لزومه.
النص الصوتي الذي عنيناه كان تدلّيات ليوم الشؤم عهِدْنا لصغيرتنا تدوينها قيداً ونحن في حال تحرَّفَ بالعَبرات وحين مَقرأنا لها فيما بعد لم نخضعها لأي مُراجعة ضوابط نحوية أو أوزان عَروضية “وإن في ظننا” قد رجُحت بمقاصد البيان ووافر المفردات، ولكن دون موفىً لحق الراحل الرجَّاح وحسبي بأن أصدق المشاعِر ما يتوارد أوله ويُرسل على كيفه دون تكاييف. فالوارد معلومً، مُستثنى عِيار ولكن عنَّ لي أن أُعيد الإرسال أُخرى “صوتاً وكِتابة” فقد الحقنا الخمس وخمسون الأولى بخمس وثلاثين أُخرى ليرقى المُجمع إلى عد التسعين.
ما ستطلَّعون عليه مقرءاً أو سمْعاً هو حديث مُرتب منثور مُقفى مسجوع بالطبع لا أدعي به شعراً مستوفى “بالذات في هذا النص” فقد أشرت في ثناياه لمراجح الفاجعة المُخِلة، فما أبعد الحُزن عن مراسي الحضور وما أجرده عن الصَنعة والتكلُّف والترقيع، وحسبي بأنها مُقاربة لمثنويات ومقامات ذاتي دلالة يتدلَّلها مجتمع قومي النبيه فهو المُلامِس بحسه للمقاصِد الأديبة التي تارة ينزَعَّج مِنها وهْماً الواصد المُتراصِد الشاعِر بـ “القشة” بل الفاقِد للثقة والمُفسَّر لأي مكتوب حَسب المرسوب “والعَجَب إن كان مُستشاره كرتوب‼️!”.
وكرتوب وصف لاعيور، أما هي بلدة بجوار حِلة عُمر ومِجيغا؟ وبتلك المناحي لنا معارف وصِلات بهم وطأنا ربوعهم مزاراً “آل جبارة وآخرين”.
فمِثل الرُصّاد المقشوشين “مِن القشة” يجب ألا يخاطروا بالتطفل على موائدنا المعرفية وإلاَّ أنهم بالدُناة أو ناهزي ذرائع “سبوبات” وقد يحملنا تسببهم المُوَّجه لكُلفة تتجنَّحهِم كسوراً ورضوخاً وِبلَّيات فبمثل نأيناَ عن التدخل في صِنعهم عساسة أو لصاصة أو غير ذلك، فيتوجب عليهم أن ينجوا بالتشتت فجمع أشتاتنا يجمع فَرْق العارِفين ويُفرَّق تكتل البالهين و”كما أشرت قبلاً” حذاركم فعندما نستهل مؤانسة سميرتي الكتابة تتمورد عيناي في الحال بمكاحِل عِرفان الشريف والمحمود، فإن عَلِم العالم بمحامدي عن المحمود فللأسف بعضه بعيضَ يجهل مشارفي بالشريف – ذلك الولي المُتدفق بفيوض الذكاء واللَّوذعة واللَّومعة والنباهة والفطانة.
ذلك العَالِم الحاوي الشامل المُدهش لمن امتحنتهم مُراقبتهم له فغدوا بالمُرَاقَبين منه.
ذلك الأبي الذي عندما أسُتدعيَ لمنقحة الحنفي بتركيا تمنَّع عن مقابلة البابا العالي عندما دعاه “عيزَومة” والرد إنه قد جاء في مهمةٍ مُحددة لا تتحمل – فإن لابُد فليأتي إليه البابا شخصياً وقد كان…
ذلك المعرفي المتقدم العميق في علوم البيئة والكيمياء والزراعة والتطبيقات. ذلك الأُرستُغْراطي المُجاز حالاً ومقاماً إذ له تقربَّاته النوعية صلواتًا وموالِداً وأسراراً ومواسلاً حَفُلَ بعضها بكُمَّلْ الرَّجال، ولي بها شُغلٌ نفيع سُمُّه نافِع … ذلك الأخ الأكبر الذي أكبَر فيه المحمود الأعقب ملوكية حاله وعجائب تصاريفه وكثرة أتباعه وعظمة عِلمه.
ذلك القائد الذي تهيبته دوائر الاستعمار العالمي خشية مِن وقع اختياره زعيماً على السودان الذي أُنِقذ سبقاً بشفاعة جده القُطب ومنذ ذاك الحين سُكانه يتفسحون في مُهلة أساؤها إلى أن أُطِمُّوا الآن علَّهم يعقلون…
ذلك صاحب الرائية التي يحسبها البعض بمفقط جزءها حول دواهي المهدي ومهديته الـ… ولكن قد حوى مجموعها الطائل على توثيق دقيق للواقع الديني والسياسي والاجتماعي بتلك الفترة المُعتجة بكواثف الأحداث وتداخلاتها.
وقد حُزن على صورة نادرة لها من جامعة دَرَم عند منتصف التسعينيات وتوجد أُخرى لها بمكتبة جامعة بِرغِن النرويجية مركز الدراسات السودانية عبر مجهودات وإثراءات مِلك الثقافة وخادم حرمها المرحوم وداِلعز/ محمود صالح عثمان صالح – صهرنا وصديق الجنرال الجريء بالحقيقة كصديقه المرحوم د. محمد.
بَدرَم وبلندن اطلعت على مسرد غيبي عجيب ضحيته ودتورشين على إثر واقعة له مع جدنا الحاج طه الكباشي شاهدها العباس ود بُدر والتفصيل له مكانه، وقد أرفدت أهلي المعنيين بالكباشي بصورة للمسرد ظلت وصل مداعبتهم معي.
“من لندن جلبوتو – كباشي القوم وهاهوتو” نصَر الرحالة على ناستو…”
الشريف – من تزوَّد بسيرته د. باحث اكاديمي ثبْت أستاذ للتاريخ بجامعة هارفارد ومؤلف لكتاب معنى ترجمته “تكوين أول إمبراطورية إسلامية بوادي النيل” حيث ابسط فيه الحديث عن سيدي الأستاذ/ محمد شريف ومكانته وغير ذلك من المُقابِلات التي لها قادِم لوحها.
هذا الكتاب حصلتُ عليه من باحث إماراتي بمركز دراساتهم الاستراتيجية “سالم المزروعي” ومَن هو دارٍ بالكتاب الم بن الم بن الأُ/ محمد الفاتح حيث كان في وِداعته على أن يعطه لعمنا المؤرخ الرقيق الضابط المتخصص والدكتور الأكاديمي السفير فوق العادة/ الرشيد ود شيخ أبو شامةَ ثمانية شهادات متباينة” فاعتبروا يا من ليس بأُوليِ الألباب علَّكم تمهدون “واطة”.
من لم يكن له جد كالأستاذ/ محمد شريف أو من قاربه ولو بنسبة ولو فارقة أو من أقرَّ تماماً بفلاحته والتزم الحيرة أمام بابه أدباً فما عليه إلاّ أن يفتِزع مُحتطباً متوقياً لحمله متكرَّباً بالتكية خادماً للأضياف مُتمسح بالأعتاب لكيما ينل لقدر محاسن رِضا تُنقذه من مهالك الأوهام وتُطهره من دنس استهداف الأبرياء من أولاد الناس الذين علّموا الناس وأزرعوهم وأوظفوهم وظرّفوهم ثم تُنكَّرَ لهم!
لوامِح دون “بوينت زيرو” عن الشريف ولكنها لمعة برقَة هالتني ضياءً عندما قِدم إلى دارنا للمُعازة في د. محمد – حفيد الشريف الحفي الجسور المِقدام المقاوم غير الشارِه المُتشكي الذي يشتري التجارب والمعرفة بثمين ماله ولا يُبالي/ شيخنا وشيخ جميع من حوله “لو تأهلوا لهذا الشعور الطبيعي” الذي حثَّونا واحسسونا به آبائنا فسرى فينا مرعى أدب معهم، فعندما نقابل مثلهم ومحمد صالح لا ننظر كما ينظر أهل العين الواحدة الحولاء الرمداء – فنظرتنا إليهم مُستمدة من عيون آبائهم “الشريف والمحمود” لذا نكن معهم وبينهم في مقام الأدب وهم دُراة بذلك يقابلونا بقدرٍ وإكبار تتنافى عنه “نِتف الأنتاف زُعَّط الريوش” من تهيضت أجنحتهم عن السندبة في آفاق الحرية والمعرفة والقرار الذاتي غير المزواج المزدوج ومنه ما هو متعة … تنقضي حسب الموطر أو الضغوطات أو ما يتكشَّف‼️!
الحرية ومتلازماتها معانٍ سامية سما بِهن فقيدنا الدكتور/ محمد الذي حاشاه أن ينظر إلى جاره ليستشف منه “فبعض من يُشَّف مِنهم هم في الأصل غلطانين بجلاط طبوجة” وذي ضلالة الهادي وحيرة الدال التي عناها العباسي عم محمد صالح.
هذا العباسي “ليعلم الجُدد” كان من غير خاصة أهله المباشرين لا يضم مجلسه ولا يطيب أنُسه إلا مع أجدادي وكان يوليهم بأولوية الدعوة حضوراً في مناسباته الغالبة بالعلمية والأدب وبز الشُعراء.
أما أخيه النوراني الرباني شيخ صالح فقد كان لا يَعهد من وثيقٍ في خواصه غير والدي ومولانا شيخ عبد الرحيم وشيخ عبد المجيد كفى بهما مفاداً في هذا الشأن.
وعن الثالث الشريفي شيخ عبد الرحيم والد الشيخ محمد صالح فكان ما أن يراه الوالد أو تأتي سيرته إلا ويثني عليه ملياً بحامدة أنه رجل عامل يتكسَّب من متجره ومزرعه ويمشي في الأسواق مُستناً بهدي النبي.
أخونا من خوَّلنا بالعزاء الأصِل فيه هو في غنى عن معرضٍ لما هو معلوم عن آبائه الميامِن، ولكن فُطِرنا على أدب المناسبات والتغني بشمائل الكرام، كما نحن أيضاً لفي غنى عن تكلَّفٍ غرَّاض “سوى ما أبنَّا” من مستملحٍ محبوبِ خِلاف المنجهة بلوردة ومرطَبة من الواقفين عند الظاهر فقط ولا نخدش في ودهم والتعتعة مأجور عليها.
العزيز محمد صالح لم انقطع عن ممرح آبائه أبداً وداره بها واصلة دار أبيه ولكن إلى اليوم لم أتشرف بولوج مكتبه بمخازنه التبريدية المعروفة ولا لداره الخاصة أما المكتب الخرطومي فذا عين قصيد المناسبة فعلى مرتين إحداهما مع آخر لمناقشة موضوع إصلاحي والثانية دعوة بدأت بحسن نية خالصة ولكن تبدَّى أن شركاً قد نُصِب لنا “بالطبع دون عِلم صاحب المكتب العامر” وهو مفخخة مِن المدعو/ المعز حسن بخيت ليتوَّهنا في مطفشة لمشروع المستشفى والقصة طويلة ولكن مقصرها كان بخلاصةٍ لم يمر عليها ما يتجاوز العشرين يوماً، فبمسجد السفارة السودانية بأدِيس وعِقب صلاة الجمعة قابلْنا لعديد من الأحباب كان من ضمنهم مسئول أمني سوداني محترم لنا به معرفة تمت ببقاع طاهرة ثم تواصلت مع هذا الشخص وبدون مناسبة وبمشهد ابني الشيخ فاجأنا بأنه من كان يدير أمر مستشفى السرورابا أمنياً وقد قاوم لكل العراقيل التي كان يتبناها بشدة المعز المذكور وأخرون “مبالغة” للأسف المُعِز هذا صديق لعديد من إخوتنا من آل سرور ولم يراعي.
هذا الشخص قال لي ما وددت وقتها إعلامك بالأمر لكيما لا يكن للعلاقة أثر في القرار. المُعِز ذكر أن ثلاثين مليون دولار موقوفة بالمالية وهي FUND من الاتحاد الأوروبي للمستشفى المُزعم، فاتصلت بعمنا الوصيل بدوائر أوروبا المرحوم/ عبد المحمود أبو شامة وكان رده القاطع أن أوروبا حالياً ليس لديها غير سرائر مُستعملة.
بيوم جمعة السفارة داهشنا أخر بأخرياتٍ عجيبة… لا شك كل من حضر العزاء عزيز عندنا وغيرنا بل الأغلب له وصيلة بالمرحوم مِاتنة والبعض يعلم بأني مُعتبر لأهل الشأن عبّارٌ عنهم خصوصاً المدرسة الحسنية الفاتحية القريبية التي عبَر حسنُها الهُمام تحسَّنت مهاذب المعرفة عندي ولكَم ما استغرقتني الكتابات عن رجال هذه المدرسة العُليا. ولكن ربما “كما ألمحت” لم يعهَد البعض العام مناضح عليَّ عن الشريف الذي تشعَّل حبي لخصائصه فاحرق لحُشاشتي ومشاشي، بل دوماً أتحير في جمعه لأصول وحذوف من العلوم المتباينة مخصصاً ولكنها أخيَّة بفتق الوجود. كما أن تناول أمر الشريف يستلزم للعُدة والإعداد بوسائل البحث وأُسس الاستقراء ومناهج التحقيق لأن جهوداته في دار البلاءَ لم تتصوَّب حول الروحانية المحضاء فقط “مع اعتبارنا لظلالها في حيواتٍ أُخر” ولكن كان للشريف مباشرية لمَّاسة لكثير من شِعاب الحياة العِداد بالذات على مستوى مفهوم الدولة والنظر الجريء لكثير من الظواهر غير القويمة – لأجل هذا سيدي الأستاذ/ محمد شريف يحتاج إلى شُرفاء معِرفة لبسط ما هو مقبوض وما أنا من أولئك فأنّا مُحب ضمِنت مركبي ومرفقي لذا كُل ما أمُر على منتظرين بالمحطات أو فرّاجة أُلوَّح إليهم بما أرى حسب التقدير إما بحاثة تُنشَّطهم على اللحوق أو مرحمة تُخفف عليهم ما هو بهم أو الوقوف عند “لما تعِظون…” وعلى كل الحمد لله.
ختاماً – أقِر تحوطاً بأنْ لو رُؤىَ فيَّ شيء من صلاحِ حالٍ أو فلاحِ مقالٍ أو حيرة ترحالٍ أو وصلِ أبدالٍ أو صلابةٍ أمام أندال فما ذا إلاّ من تحولقي حول أولئك الآباء الأُباة ومن لم يحظى بمثلهم فليتقدم بطلب التبنيَّ فهم زينين رُحماء عُطفاء لا يردون مُستطلبٍ قطيع.
هؤلاء الآباء البررَة لا يرضون لمنسوبهم الصادق أي ضيم بل لهم مدِافع بندّاقة باسمه مُنتقم مُقتدر تَفِتك بكل كذيبٍ مكيرٍ بالأفُوك “……
إذاً فلنِجد بِكم عبر الإعادة والزيادة من بعد راحة ثم ندفع لكم بالمقامات المثنوية مع الشكر.