ما زال الجدال عقيما بين أنصار التربية الحديثة للأبناء والتي اساسها التواصل والتربية التقليدية القائمة على مبدأ أحترام (الهيبة) التي يزرعها الاب الشديد القسوة في نفوس ابناءه والمعلم المدرسي والذي يتم نصحة بالطريقة المعروفة (ليكم اللحم ولينا العظم) في إعطاء (شيك على بياض) بأن افعلوا ما ترونه مناسباً. دعنا نتفق (في كلا الحالتين) أن لا مزايدة على حب الاب أو الام للأبناء. فالاب الطبيعي الذي يظهر قساوته تجده أشد قلقاً على الابن في حالة اذا ما تأخر خارج المنزل مثلاً. او الام التي تريد لبناتها ان يكن زهرات في المجتمع يُشار اليهن بالبنان، فهي تقسوا عليهن حتى اذا ما رأت دموعهن انفطر قلبها لذلك (أكرر مرة اخرى الاب والام الطبيعيان واللذان ليس لديهم أمراض او عقد نفسية). هذا النوع من التربية التقليدية يفتقد لعنصر مهم وهو التواصل. ليتسائل الابن على الدوام لماذا حرمني أبي من لعب الكرة؟ لأن أبي لايحبني، بينما الهدف الاسمى هو توجيهه الى الاستذكار نتيجة ملاحظة التهاون في هذا الجانب. وكذى الابنة حينما تتسائل، لماذا حرمتني أُمي من وضع القليل من (احمر شفاه)؟ لانها لاتريدني أن اصبح جميلة كما بنات عمومتي. بينما هدف الام هو حمايتها من مجتمع يحب الغيبة والنميمة وقول الزور، تكفي همسات كذوبة من موتور غير سوي لكي يقضي على سمعتها. لماذا تمنع الام ابنتها من رفع صورها على الفيسبوك؟ لأن امي تقليدية ولا تتفهم لغة العصر، بينما تعلم الام بفطرتها ان هناك تقنيات- يصعب عليها فهم تفاصيلها الا انها تفهم نتيجتها الحتمية الاخيرة- لديها القدرة على تحوير تلك الصور كيفما يرغب صاحبها. كل هذا أمر رائع في المجمل، ليبقى السؤال أين هي المشكلة؟ تكمن في التواصل بين الاباء الأبناء. الابن لم ير الا الوجه المكفهر للاب حتى يحكم ضده. لم تر البنت الا الكلمات القاسيات من الام حتى تحدثها نفسها بأن امها تكرهها. الابناء لم يروا الجانب الآخر لانعدام التواصل. اسلوب العقاب بدرجاته المتفاوتة امر طبيعي وعادي فقط كل المطلوب هو التأكد من ان الرسالة قد وصلت وبكل وضوح، تلك الرسالة لاتتضمن أي نوع من الشفرات الخفية والتي يجب على الابناء ان يبحثوا بين سطورها أو تحرك اذهانهم بعمق- مثل الالغاز- لاتقاطها، مع المناقشة العميقة للدوافع التي قادت لذلك الفعل الشنيع والموجب للعقاب، ثم الاتفاق على دستور لايُخْلف بعده ابدا بين الجانبين، فيه بعض التنازل دون المساس بالمباديء العامة. ارجوكم قبل أن تفكروا في الإنجاب لا بد من التفكير في أمر التربية حتى لانضطر للتعامل مع كم هائل من (الاشكال الضالة) الحالية التي نراها في المجتمع والتي تفتقد الى ابسط مقومات التربية.