مَنْ مِنَّا لَمْ يرى المُزَنَ الكثيفة التى غطَّت سماء بلادنا قُبيلَ الحرب بأشهُرٍ عديدة ..!!؟ ومن مِنَّا لم يرى لمعان البرق وسمع دَوِّىَ الرعد مِنْ حولنا ..!!؟ ومن مِنَّا لم يُساءِل نفسه إلى أين تتجه بنا السفينة ونحن نرى المليشيا تمد لنا لسانها وتمد أرجلها وتتمدد فى مفاصل دولتنا ويزداد إنتشارها وهى أبهى زينتها وأبهى حُلَّتها وأحدث مركباتها وأسلحتها ..!!؟ وكلما إزدادت التساؤلات أظلمت الآفاق من حولنا وكثر تصاعد السحب وهبوب العواصف وجلجلة الرعد ولمعان البرق ، وتلاشت تلك اللازمة الشهيرة التى كانت رائجة جداً فى سنوات ما قبل التغيير فى أبريل ٢٠١٩م لما تم لها من ترويجٍ وإستنساخ وإستهلاك ، والتى كانت تقول : ( أنَّ الخرطوم آمن عاصمة إفريقية وأنَّ السودان أفضلُ حالاً من دول الجوار ) .. كإحدى ذرائع الإخفاق السياسى والأمني بمفهومه الشامل لأن الوضع كان حينها خلاف ذلك ..
ثُمَّ ضاع الأمس مِنَّا وإندلعت الحرب وإنطوت فى القلب حسرة ..!! تلك الحرب التى كشفت لنا الكثير من مواطن الخلل والهشاشة والضعف فى البناء السياسى والمجتمعي والأمني للدولة السودانية ، فإنبرى لها رجالاً أقوياء فى عقيدتهم وإيمانهم ، شجعان فى مواقفهم وقتالهم ليردوا لها هيبتها المفقودة وكرامتها المنتهكة وأمنها الضائع فى ميادين الكرامة وميادين التقانة حيث تمت إستعادة هوية الدولة وأرقامها الوطنية وإنقاذها من الضياع التى لو ضاعت لضاعت معها معالم التأريخ والجغرافيا بل ولضاعت الدولة السودانية ..
ومن القبائح التى أظهرتها الحرب تلك المشاركة الكبيرة للاجئين من دول مختلفة إلى جانب المليشيا المجرمة فى القتال كقنَّاصة وأطقم مدفعية بعيدة المدى ، هذا فضلاً عن إستخدام المليشيا لمعدات المفوضية السامية لشئون اللاجئين لإستخدامها فى معركتها ضد الدولة السودانية كما ظهر فى بعض المقاطع المتداولة فى الأسافير فى ظل صمتٍ مريب من المجتمع الدولى الذى يُبدى قلقه حسب المصالح .. وفى تقديرى ومن خلال المتابعة ليوميات الحرب وتداعياتها أنّ المفوضية السامية لشئون اللاجئين تقوم بإستغلال هذا الظرف الأمنى الإستثنائى لبلادنا لتقوم إنابةً عن الدول المانحة والمجتمع الدولى الذى لديه رغبة أكيدة وطموح كبير للتحلل من إلتزاماته القانونية بموجب الإتفاقيات والمواثيق الدولية التى تنظم أعمال اللجوء ، ومن مسئوليته الأخلاقية تجاه الأعداد الكبيرة من اللاجئين فى السودان وذلك بطرائق عدة أهمها عدم تمويل برامج مساعدة اللاجئين أو تقليل التمويل للدرجة التى تؤدى إلى التسرب من المعسكرات إلى المدن بحثاً عن العمل ووسائل كسب العيش ، فتقاعس المانحين عن تقديم المساعدات عبر المفوضية السامية لشئون اللاجئين مدعاةٌ للجريمة والعنف وتهديد الأمن المجتمعى والأمن القومى كما هو كائنٌ الآن .. فإذا كانت الدول المسئولة عن إنشاء نظام دولى لحماية اللاجئين تتحدى الأسس الأخلاقية والقانونية لهذا النظام وتسعى لإنهاء برامج المساعدة وتوطين اللاجئين فى السودان وإدماجهم فى المجتمع بهذه الطريقة الإنتهازية .. وإذا كانت المنظمة الدولية التى تتشدق بالدعاوى الإنسانية المفترى عليها أسفرت عن وجهها القبيح بتبنيها للمشروع البائس بؤس المنادين به ، النازف شراً والمتمثل فى توطين اللاجئين فى بلادنا بفرض سياسة الأمر الواقع الخبيثة ،،!! فإذا كان كل ذلك كذلك فلابد للدولة بما لديها من سلطان ومن منطلق مسئولياتها المتكاملة تجاه مواطنيها لاسيما بعد ثبوت مشاركة أعداد مقدرة من لاجئي أثيوبيا ودولة جنوب السودان وغيرهما فى إنتهاك سيادتنا الوطنية فى منتهى السفور ، وبعد تلك الإهانة التى تعرض لها بعض أبناء الوطن ممن جارت عليهم الأيام وألجأتهم إلى أثيوبيا ظنّاً منهم بأنها سترد على التحية بأحسن منها ولكنهم لم يجدوا إلاّ الإيذاء والطرد .. لكل ذلك لابد للدولة أن تغير من سياستها تجاه قضايا اللاجئين ليس تنصلاً من إلتزاماتها القانونية بموجب توقيعها على الإتفاقيات الدولية والإقليمية التى تنظم أعمال اللجوء ، ولا تهرباً من مسئوليتها الأخلاقية بل حفاظاً على أمنها القومى ، فالسيادة الوطنية للدولة السودانية مقدمة على الحماية الدولية للاجئين بعد أبانت الأحداث خطل ( سبهلليتنا ) ، ولابد للدولة أن تعمل أيضاً بعد إنتهاء الحرب على وضع رؤية وخطة إستراتيجية جديدة كمرجعية للتعامل مع قضايا اللاجئين ومراجعة قانون تنظيم اللجوء لسنة ٢٠١٤م وتفعيل كل القوانين واللوائح والأوامر ذات الصلة بالوجود الأجنبى ككل ، وأن تتعامل الدولة مع المانحين بِنديّة وأن تعمل على زيادة التمويل اللازم لإدارة عمليات اللجوء إقتداراً وليس تسولاً ..!! فالسودان هو المانح الأكبر ويده هى العليا .
نأمل أن توفق معتمدية اللاجئين فى طى خلافاتها الداخلية وصراعاتها التى ملأت الأسافير والفضاءات الإعلامية حتى لا تُضِرّ بها وتُقعِدها عن واجباتها الوطنية ذات الإرتباط الوثيق بالأمن القومى .. وعلى قادة المعتمدية معالجة الشأن الإدارى الداخلى الذى يوثر قطعاً على الأداء العام سلباً وذلك بالأدوات والأساليب الوقائية المناسبة ، فالمقام ليس مقام خلاف أو صراع بل هى الحرب فى ظل واقع أمنى وإقليمى مشتعل ، وأن هناك خطرٌ مدلهم لايزال يتهدد دولتنا .
حفظ الله بلادنا وأهلها من كل سوء .
الأربعاء ٢٥ سبتمبر ٢٠٢٤م