اللواء شرطة دكتور محمد الأمين البُشرى أحد أعلام الشرطة السودانية ومفخرة من مفاخرها ، عمل أستاذاً فى كلية الدراسات العليا بجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية وعميداً لمركز الدراسات والبحوث فى تلك الجامعة لسنواتٍ طويلة ، ويُعَدُّ كتابه ضحايا الجريمة وعلم المجنى عليه ( ذلك العلم الذى كان نواةً لما يُسمى بالعدالة الإنتقالية ) المرجع الوحيد فى الجامعات العربية .
وقع فى يدى مصادفة وأنا أبحث عمَّا أملأ به فراغاً لم يُجدى الكافيين معه نفعاً ولا النيكوتين .. وأستزيد به معرفة بحثه القيِّم بعنون : الكتاب الرمادى للشرطة السودانية ( التاريخ والمواقف ) .. وأنقل بعض ما جاء فى مقدمته كما يلى :
الشرطة السودانية بتنظيمها البريطانى الأصل وبتاريخها الحافل وتجاربها الثَرَّة مع مختلف الأنظمة السياسية التى تعاقبت على حكم السودان بقيمها الأخلاقية وتقاليدها الراسخة وبنياتها التحتية المتكاملة ومؤسساتها التدريبية الرائدة وتركيبتها الإثنية المتجانسة وبكل ثقلها الإجتماعى والإقتصادى المشهود لها ، ظلَّت وللأسف الشديد فى خانة لا تُحسد عليها فى خضم المعارك والمتغيرات السياسية الحرجة التى مرَّت بها البلاد منذ فجر الإستقلال ، أقول منذ فجر الإستقلال لأنها لم تكن كذلك قبل الإستقلال – وعلى عكس ما يقول البعض – لم تكن الشرطة السودانية فى عهد الإستعمار أداة قمع كما أُريد لها .. كانت للعناصر الوطنية فى الشرطة كلمتها ونشاطها المناهض للإستعمار رغم سلطاتها الوظيفية المحدودة ورغم حالات الترهيب والترغيب والقيود الأمنية المفروضة على أفرادها من قِبَل عناصر الإحتلال البريطانى المصرى .
ظلَّت الشرطة السودانية منذ فجر الإستقلال على مقربة من جميع الأحداث السياسية والأمنية ، وهى ترصد كل شاردة وواردة .. تُحلل المعلومات وتتنبأ بالأحداث وتتخذ التدابير وفق ما يُملى عليها ، وتقف فى كثيرٍ من الحالات مكتوفة الأيدى حائرة أو تائهة .. ولأكثر من نصف قرنٍ من الزمان والشرطة السودانية رغم إنتشارها الواسع وتلاحمها مع المجتمع فى مختلف أرجاء الوطن لم يُسمَع لها صوت أو رأى يُسهم فى إخراج الوطن من الأنفاق المُظلمة التى باتت تتخَبَّط فيها .
أدبيات تاريخ الشرطة فى العالم عامرة بلونين من الكُتُب 🙁 الكتاب الأبيض للشُرطة الذى يرصد إنجازات الشرطة ونجاحاتها ) و ( الكتاب الأسود للشرطة الذى يكشف إخفاقات الشرطة وسلبياتها ) .. ولم يكن دور الشرطة السودانية أسوداً ولله الحمد ، ولم يكن دورها كذلك أبيضاً ناصعاً وموجباً كما ينبغى .. فالشرطة السودانية فى نشأتها وتطور دورها المهنى التقليدى صفحاتها بيضاء تنضح بالكفاءة والعدالة والتضحيات .. ولكن دورها الوطنى كان سالباً ، ومسئولياتها الدستورية كانت باهتة ، وتفاعلها مع هموم الأمة إتّسَم باللامبالاة لتُصبح الشرطة السودانية لا لون لها ولا رائحة فى وقتٍ كان عليها أن تتحمل مسئوليات سياسية وأمنية تُحقق التوازن وتضبط الإنفلاتات النابعة من تجاوزات القوات المسلحة والأحزاب السياسية ، لذا رأينا فى كتابنا هذا وصف الشرطة السودانية باللون الرمادى .
السؤال الذى يطرح نفسه هنا هو : لماذا إختارت الشرطة السودانية أن تبقى فى خانة اللون الرمادى ؟ ولماذا آثرت أن توصف بالحاضر الغائب ؟ هل كان ذلك عائداً إلى كونها جهازاً لتنفيذ القانون وإلتزاماً بالمهنية أم كان ذلك جهلاً بوظيفتها الأمنية بمفهومها الشامل ؟ أم كان ضعفاً وقصوراً فى مكوناتها وعناصرها البشرية ؟ هذه التساؤلات وغيرها نترك الإجابة عليها لفطنة القارئ ، ولكن نضع بين يديه الحقائق والمواقف التاريخية موضحين ومحللين تلك الحقائق بالقدر الذى لا يتجاوز دور البحث العلمى المتجرد .
هذا بعض ما جاء فى المقدمة وعليكم بالتفاصيل فى متن البحث .
حفظ الله بلادنا وأهلها من كل سوء .. وحفظ شرطتنا ومنسوبيها وأعانهم بتوفيقه .
الثلاثاء ٧ نوفمبر ٢٠٢٣م