العبيد مروح
منذ أسبوع، أكملت الحرب في السودان شهرها السابع، وخلال هذه المدة امتدت رقعتها المباشرة إلى خارج ولاية الخرطوم لتشمل كل ولايات دارفور الخمس فضلاً عن ولايات كردفان الثلاث، واضطرت القوات المسلحة للإنسحاب من أغلب الحاميات في تلك الولايات، وخرج الحديث الذي كان يدور عن مخطط تقسيم السودان وفصل دارفور، من نطاق التنظير إلى أرض الواقع، بل أصبح مطلباً لقطاع معتبر من عامة السودانيين من أبناء الوسط والشمال !!
يحدث هذا كله، وحال الطبقة السياسية كما لو أن الدولة لا تعيش حرباً تستهدف أصل وجودها، وأن زلزالاً سياسياً واجتماعياً ضرب البلاد وما تزال هزاته الإرتدادية تتوالى، وأن هناك الملايين تشردوا بين نازح ولاجئ، وأن الآلاف يموتون والمئات يستشهدون، وعشرات الآلاف يُصابون، وتترمل الآلاف من النساء ويصبح عشرات الآلاف من الأطفال يتامى، وتتفشى ثقافة القتل على الهوية والنهب والسلب والتغنيم، باسم الديمقراطية !!
قد يبدو هذا حكماً قاسياً، أو مُعمماً، لكني على كل حال لا أطلقه جزافاً، وشاهدي في هذا هو أنه حتى الآن لم تتجاوز القوى السياسية بمختلف توجهاتها، محطة الإتفاق الإطاري بكثير !!
مشكلة الإتفاق الإطاري الرئيسية هي أن مَن صمموه قصدوا أن يحتكروا القرار السياسي في السودان لصالح قوى سياسية بعينها يكون بيدها سلطة “الحل والعقد”، وأن تظل بقية القوى السياسية والإجتماعية إما معزولة ومُقصاة عمداً، أو مشاركة على قاعدة الرضا بما يجود به أهل الحل والعقد الذين بدأوا في هندسة الأوضاع في البلاد بما يضمن لهم حكمها حكماً مطلقاً دون إنتخابات، الأمر الذي كان سبباً مباشراً في إشعال حرب أبريل ٢٠٢٣م.
لقد كان من المفترض أن تدرك الطبقة السياسية خطورة الأوضاع التي آلت إليها البلاد في ضوء اندلاع الخرب، وتتناسى صراعاتها البينية وطموحاتها القديمة، وتوحد صفوفها لتقف في وجه الهجمة البربرية التي اجتاحت البلاد، حتى يزول الخطر الذي يتهدد الوطن، لكنها بدلاً من ذلك جعلت كل كتلة سياسية من نفسها “مركزية” تريد للآخرين أن يتجمعوا حولها هي، وكأننا يا بدر لا رحنا ولا جينا !!
الآن، وبعد مضي الأشهر السبعة، يؤسف المرء أن يقول إن الطبقة السياسية، مثلها مثل ملوك البوربون، لا يبدو أنها تعلمت شيئاً ذا بال، أو نسيت صراعاتها القديمة، فبدلاً من أن تستجمع التكتلات السياسية أطرافها وتتقارب لترسم ملامح المستقبل لما بعد الحرب نجدها تتشظى وتنقسم، وحين تحاول البحث عن الأسباب الحقيقية الكامنة وراء ذلك تكتشف أن داخل عقل كل فصيل سياسي “عقل شمولي” يعتقد أن فصيله هذا أحق بالملك من الآخرين الذين لم يؤتوا سعة من المال!!
لا شك عندي أن وعياً سياسياً واجتماعياً جديداً يتخلّق في رحم المجتمع السوداني مؤدّاه أن ما بعد الخامس عشر من أبريل لن يكون كما قبله، وما لم تعِ الطبقة السياسية ذلك بشكل جيد، وتبدأ في استخلاص العِبر من دروس التجربة المريرة التي عاشها السودانيون، وتُعدّل من أساليب تعاطيها مع الواقع، فإن ذهابها إلى متحف التأريخ سيكون مسألة وقت ليس إلاّ.. ألا هل بلغت .