الرأي

السفير كرارا التهامي يكتب : الأفاعي العشر واحترازات ما بعد الحرب ٤-١٠




الافعى الثالثة : علاقة الجيش بالسياسة والسلطة وفكرة السلطة الوازنة

السفير د. كرار التهامي

الافعى الثالثة : علاقة الجيش بالسياسة والسلطة وفكرة السلطة الوازنة

السؤال الذي وصلني من اكثر من شخص مهتم ومتابع عن كيفية قيام السلطة( الرادفة ) الوازنة والضابطة و كيف يتموضع الجيش في سنوات الانتقال لارساء الاسس والقواعد السليمة لاستقرار النظام الديمقراطي وتشييد قواعد الدولة القوية وهو نفس السؤال الذي وجهه لي دكتور عبد الفتاح ماضي منسق برنامج الديمقراطية وقال في مداخلته اثناءمؤتمر الانتقال السياسي انه يريد ان (يشتبك )معي عندما قدمت ورقة بحثية في المؤتمر الذي نظمه المركز العربي للأبحاث ودراسات السياسات في الدوحة عن دور الجيوش في السياسة وتجارب الانتقال و (الاشتباك) كان وقتها بمعنى المجادلة والمحاجة والاختلاف .

◾️والمطلوب اليوم في السودان من النخب السياسية اليوم الخروج من صندوق أجندتهم و تصوراتهم الملتبسة ودائرة سوء الظن في بعضهم البعض والتفكير بجدية عن طبيعة الحكم في السودان وكيفية تأسيسه على هدىً من تجاريب الآخرين الناجحة .

◾️هذا السوال يتعلق باستراتيجيات ومستقبليات الدولة والنظم السياسية و المرجعيات التي تتفق عليها المكونات الثلاث (الجيش )و (النخب )و (المجتمع المدني ) والتي ذكرتها د كتور ربيكا شيف استاذة القانون في جامعة هارفارد في نظريتها التوافق concordance التي تعطي الموسسة العسكرية بمقاربات دستورية الحق في مراقبة التطور السياسي وتحكيم الانتقال الديمقراطي والسير بالديمقراطية خطوة خطوة حتى تصل إلى مدارها الأخير .

◾️في نماذج الديمقراطيات التي نهضت من رماد الأنظمة الاستبدادية في بداية السبعينيات والتي ذكرها صمويل هنتنجتون في كتابه( الموجة الثالثة ) وفي ثلاث منها على وجه الخصوص كان الجيش هو الراعي السياسي اما عن طريق تاسيس النظام الملكي المستدام او تكليف الجيش بصلاحيات استثنائية في مرحلة الانتقال ففي إسبانيا مثلا انيطت السلطة المركزية الرادفة والوازنة بالملك بعد ان تغير الجيش وقرر استعادة الديمقراطية بعد حكم فرانكو المتطاول فتم تنصيب خوان كارلوس ملكا وقائدا عاماً للجيش وتوسعت صلاحياته لتشمل إقرار وإصدار القوانين واستدعاء البرلمان وحله والتحكيم arbitration -وهذا الاهم -بين المؤسسات والدعوة إلى الانتخابات و للاستفتاء في الحالات المنصوص عليها في الدستور واقتراح مرشح لمنصب رئيس الحكومة ، وتعيينه ، حسب مقتضى الحال، أو عزله و إصدار المراسيم لمنح المناصب المدنية والعسكرية والتكريم والامتيازات وفقًا للقانون.و يترأس اجتماعات مجلس الوزراء كلما رأى ذلك مناسبًا ، بناءً على طلب رئيس الحكومة.

◾️وعلى هذا المنوال اصبحت التعددية الحزبية او الديمقراطية في ظل الأنظمة الملكية في اوروبا او في عالمنا العربي اكثر استقرارا لوجود ( المحكم ) والسلطة الرادفة المعتمدة على الانام والجيش .

◾️اما في حالات الأنظمة الجمهورية فيلعب الجيش نفس الدور بغطاء دستوري وليس بالغلبة فيكون بمثابة السلطة (الوازنة ) السلطة التي تنظم المسيرة نحو الديمقراطية دون ان تنتكس دون ان يطمع الجيش في الاستمرار والاحتكار والاستئثار بالحكم فقط يضبط الحركة السياسية كما قال ماركوس ديقو (لا يحكم لكن لايكون بعيدا عن الحكم ) ويكون بمثابة(المحكم ) arbiter الذي يكون له حق الفيتو في إصلاح الاحزاب وتهيئة البيئة السياسية للانتخابات وذلك ماحدث في البرازيل والبرتقال ونيجريا وإسبانيا ودول عديدة في مختلف القارات حيث استقرت الديمقراطية ووصلت مرحلة الترسيخ.

◾️إذا خرج الجيش اثناء الانتقال الديمقراطي من المسرح على عجل بطريقة (العسكر للثكنات ) فان المؤسسات السياسية الراهنة لن تحقق الانتقال وستشهد البلاد الفوضى من جديد بسبب ما اسماه خوان لينز (القصور الجيني) في النخب والمؤسسات السياسية و ما أشار اليه منصور خالد ب (( بؤس التفكير ام خداع النفس ) وما يشير اليه ابوشوك بالعلة في((بنية النخب السياسية الحاكمة التي حصرت نفسها في دائرة مكاسبها الحزبية دون النظر في بناء رؤبة تأسيسية عن كيف حكم السودان)) و يعزوه البطحاني إلى (عدم قدرة الطبقة السياسية بالدفع بمشروع وطني لبناء دولة المواطنة والانعتاق والتنمية))
هذه المؤسسات ومافيها من إشكالات في البنى التنظيمية لن تقدر على حمل اعباء الدولة الحديثة وإشكالاتها الاقتصادية والتنظيمية والجيوسياسية.

◾️ومنذ الاستقلال لم يستطع نظام حزبي ان يستمر اكثر من خمس سنوات (٥٣-٥٨)، (٦٤-٦٩) (٨٥-٨٩) ولا تستبعد ان بموت النظام التعددي القادم في نفس العمر المبكر بسبب (القصور الجيني) كذلك الجيش ايضا لن يقدر على ادارة دولة دون قوى مدنية ذات كفاءة عالية فالحل يكمن في المزاوجة الجدلية بين الاثنين ليس لاجتراح نظام احادي باطش ولكن للتقدم نحو الديمقراطية خطوة خطوة هذا من الناحية الفلسفية اما من الناحية العملية فيمكن الاستئناس بتجارب دول الموجة الثالثة حتى يقف الجيش في الموقع الصحيح في مسيرة الإصلاح السياسي على ارضية دستورية واضحة المعالم…..

نواصل

اترك رد

error: Content is protected !!