
بقلم د. محمد عثمان عوض الله
حاولت مليشيا الدعم السريع إعلان حكومة موازية، وهو ما شكل تهديدًا للقوى السياسية الموالية للمليشيا أكثر من أي جهة أخرى. وقد واجه هذا الإعلان معارضة قوية من المجتمع الدولي و المجتمع السوداني على حد سواء. ورغم المكابرة والإنكار من جانب المليشيا وداعميها، إلا أنهم فشلوا في المضي قدمًا في هذا الإعلان. وجاء فشلهم نتيجة لعدة أسباب رئيسية سنعرضها بالتفصيل، والتي تتضمن رفضًا من الأطراف الدولية، مؤسسات المجتمع السوداني، الحكومة السودانية، بالإضافة إلى عوامل أخرى مرتبطة بتعثر الجهود الميدانية والإعلامية المرافقة لهذا الإعلان.
- إعلان الحكومة الموازية ومخالفته للقوانين الدولية:
إن إعلان حكومة موازية هو خطوة غير قانونية من حيث المبدأ، وتعتبر مخالفًا للقوانين الدولية التي تحظر أي تدخل في الشؤون الداخلية للدول، لاسيما إذا كان هذا التدخل يتخذ شكل إعلان حكومات موازية من قبل ميليشيات مسلحة. بموجب ميثاق الأمم المتحدة، فإن أي تحرك يهدف إلى تقويض وحدة الأراضي أو استقرار الدولة يُعتبر خرقًا للمواثيق الدولية، ويعرض الدولة المتورطة في هذا الإعلان إلى تداعيات قانونية دولية.
هذه الخطوة كانت تخالف الشرعية الدولية التي تؤكد أن تشكيل الحكومة يجب أن يتم من خلال مؤسسات شرعية وفقًا للدستور المعترف به، وليس عبر فرض حكومة على الشعب من خلال القوى العسكرية الموازية التي لا تحظى بشرعية قانونية.
الميليشيات المسلحة، مثل الدعم السريع، التي تسعى لتشكيل حكومات موازية، تُعتبر خارجة عن إطار القانون والدستور السوداني. هذه الميليشيات لا تتمتع بأي شرعية سياسية داخل السودان، ولا تمثل إرادة الشعب السوداني الذي اختار الحكومة الانتقالية الحالية و منحها شرعية شعبية زادت بعد تمرد المليشيا.
- رفض المجتمع الدولي للمحاولة:
المجتمع الدولي كان له دور كبير في إيقاف هذه المحاولة. ورغم أن بعض القوى الإقليمية كانت تدعم مليشيا الدعم السريع في مراحل سابقة، إلا أن معارضة المجتمع الدولي لهذه الخطوة كانت شديدة بسبب استحالة نجاحها و التهديدات التي ستجرها على الدول المتواطئة في حال تم الاعتراف بها.
الولايات المتحدة الأمريكية عبرت بوضوح عن رفضها لهذا الإعلان، معتبرة إياه خطوة خاطئة و فاشلة. كانت واشنطن ترى أن مثل هذه التحركات تعرقل العملية الانتقالية الديمقراطية في السودان، وتدفع البلاد إلى مزيد من الفوضى المرابطة بالحرب.
مصر كانت قد أوضحت موقفها ضد هذه الخطوة، ليس فقط بسبب عدم قانونيتها، ولكن أيضًا لأنها تشكل تهديدًا للأمن السوداني والإقليمي. في ضوء ذلك، أدركت مصر أن استمرار هذه التحركات سيؤدي إلى المزيد من التوترات في المنطقة، وهو ما يتعارض مع مصالحها الأمنية في السودان.
قطر وتركيا، رغم دعمهما السابق لبعض القوى السودانية المسلحة، أظهرتا تحفظًا شديدًا على هذه الخطوة بسبب انتقادات المجتمع الدولي التي كانت تتوقع أن تؤدي إلى عواقب وخيمة على السودان والمنطقة. أدركت هذه الدول أن هذا الإعلان سيجلب مزيدًا من الاستقطابات الدولية التي قد تؤثر على مصالحها.
الأمم المتحدة و الاتحاد الإفريقي كانا حاسمين في رفض فكرة إعلان الحكومة الموازية، حيث أكدوا على أن الحل الوحيد للأزمة السودانية هو الحوار الشامل بين جميع الأطراف السياسية، بعيدًا عن القوة العسكرية أو الهيمنة من قبل أي ميليشيا.
- رفض المجتمع السوداني ورفض منح الشرعية للمليشيا:
المجتمع السوداني كان حازمًا في رفض إعلان الحكومة الموازية. من الواضح أن الشعب السوداني كان يدرك جيدًا مخاطر هذا الإعلان، وأبدا رفضه لتمكين مليشيا الدعم السريع من تشكيل حكومة تفتقر إلى الشرعية السياسية.
الميليشيا ليست الجهة المخولة لإعلان الحكومة. فالحكومة الانتقالية السودانية هي الجهة الوحيدة التي تحظى بتفويض شعبي وفقًا لشرعية مؤسسات الدولة . الشعب السوداني كان قد منح شرعية هذه الحكومة الانتقالية، وبالتالي كانت أي خطوة لتشكيل حكومة موازية تعتبر انتهاكًا لإرادة الشعب السوداني.
كما أن مليشيا الدعم السريع هي منظمة مُتهمة بارتكاب جرائم خطيرة، بما في ذلك الإبادة الجماعية في دارفور، و القتل العشوائي، و الاختطاف، و احتلال منازل المواطنين. هذه الجرائم جعلت من الدعم السريع ليس فقط قوة عسكرية غير شرعية، بل أيضا قوة غير أخلاقية وغير مقبولة من الشعب السوداني.
الحكومة السودانية أكدت مرارًا على ضرورة استسلام المليشيا و توقفها عن ارتكاب الجرائم بدلاً من منحها شرعية كاذبة عبر تشكيل حكومة موازية. الحكومة الانتقالية كانت تسعى لتحقيق العدالة وتقديم المجرمين إلى محاكمات عادلة، ولم تكن مستعدة لمنح شرعية سياسية لمليشيا تلطخت يدها بالدماء.
- التعثر الإعلامي والتنظيمي للمليشيا:
على الرغم من المكابرة المستمرة من جانب مليشيا الدعم السريع وداعميها، بما في ذلك بعض الأحزاب السياسية السودانية الموالية لهم، إلا أن الفشل التام كان هو النتيجة النهائية لهذا الإعلان.
الدعاية الإعلامية التي سعت المليشيا لنشرها حول إعلان الحكومة الموازية كانت واهية، حيث لم تتمكن من تحقيق التأييد الشعبي الواسع أو تشكيل أي نوع من التحالفات السياسية المحلية أو الدولية لدعم هذا المشروع.
تم تأجيل إعلان الحكومة الموازية لأول مرة، ثم تمت محاولة ثانية، ومن ثم ثالثة، ولكن كل هذه المحاولات باءت بالفشل. وفي النهاية، تم إغلاق الباب نهائيًا عن إعلان الحكومة الموازية، حيث لم يتم الإعلان عن رئيس وزراء أو وزراء، وبالتالي ضاعت ترتيباتهم السابقة من دعوات حشود سياسية وعملية إعلامية تروج لهذا المشروع الفاشل.
كانت جميع جهودهم هُباءً منثورًا، حيث كانت المحاولات المتكررة تغرق في الفشل أمام الرفض الشعبي والدولي، والرفض القاطع من الحكومة السودانية و المجتمع المدني في السودان.
- المجتمع الكيني وموقفه من الحكومة الموازية:
على الرغم من محاولات مليشيا الدعم السريع للتعاون مع الحكومة الكينية في مراحل معينة من أجل إعلان الحكومة الموازية من أراضي كينية، إلا أن المجتمع الكيني كان في موقف معارض بشدة لهذه الفكرة.
الحكومة الكينية لم تكن في موقف يسمح لها بالتحرك بهذا الاتجاه، خاصة في ضوء الضغط الشعبي الداخلي الذي رفض أي تدخل في شؤون السودان الداخلية. المجتمع الكيني كان يعتبر أن مثل هذه التحركات تهدد استقرار المنطقة وتتناقض مع مبادئ الحياد التي تتبناها كينيا في السياسة الإقليمية.
لم يقدم المجتمع الكيني أي مطالبات أو مناشدات بشأن هذه الحكومة الموازية، بل كان يرفض فكرة احتضان مثل هذه الحكومة على أراضيه.
- الخاتمة:
إعلان الحكومة الموازية من قبل مليشيا الدعم السريع كان محاولة فاشلة ومخالفة للقوانين الدولية و الشرعية السياسية في السودان. ورغم محاولاتهم المتكررة، فشلت المليشيا في الإعلان عن الحكومة بسبب رفض المجتمع السوداني و المجتمع الدولي، بالإضافة إلى التعثر التنظيمي والإعلامي. في النهاية، أدرك الجميع أنه لا يمكن السماح لمليشيا غير شرعية بتشكيل حكومة موازية، لاسيما في ظل التهم الخطيرة التي تلاحقها، وعلى رأسها الإبادة الجماعية و الجرائم ضد الإنسانية.
كانت الإرادة الوطنية للسودانيين و الالتفاف الشعبي الكبير حول الحكومة الانتقالية والجيش السوداني هما العاملان الرئيسيان في إحباط هذه المحاولة. السودان، بمؤسساته الشرعية، سيواصل العمل على بناء دولة ديمقراطية تحترم حقوق الإنسان وتحقق العدالة لجميع أبناء شعبه.
إن هذا الفشل يعكس حقيقة أن أي محاولة لفرض حكومات موازية في السودان لا يمكن أن تكون مجدية، خاصة إذا كانت تستند إلى قوى مسلحة غير شرعية تمثل تهديدًا للأمن القومي ولحقوق الشعب السوداني.