كل أيام العرب وأحداثها الجسام فى جزيرتهم والتى قطَّعَتْ الأرحام وأهلكت أبناء العمومة والخؤولة كانت بسبب النعرات القبلية وحميَّة الجاهلية والخطط الإبليسية .. وبالنظر إلى الحملات الإسفيرية التى إنتظمت الوسائط والأداء الكورالى لوكلاء الشيطان والشانئين المتمالئين مع المليشيا الذين لم تُعجبهم الإنتصارات التى تُحققها القوات المسلحة نراهم قد رفعوا بمؤازتهم حليفهم الهالك سقف المؤامرة فأخرج الله أضغانهم فأسالوا حِبرَ العمالة ودلقوه على المنصات الإعلامية رافعين عقيرتهم بما لايجاوزها متلفعين بشعار الإنسانية ودثارها ومتباكين عليها إستنكاراً لما فعله بعض المقاتلين من سلوكٍ قبيحٍ مستهجن أنكره كل صاحب دين وضمير ، فكان صراخهم وبياناتهم التى رأيناها الآن ولم نرها من قبل وكأنَّ أهل القُرى فى ود النورة وود عشيب وغيرهما من الذين تم التنكيل بهم وسحلهم وقتلهم وإحراقهم ونهب ممتلكاتهم وتهجيرهم على مسمع ومرأى من المجتمع الدولى ومنظمات حقوق الإنسان لابواكى ولاحقوق لهم ولالذويهم ولم تُقم صلاة الغائب على موتاهم ، ولم تُدبَّج المقالات والبيانات فى حقهم ولم تتبنى مأساتهم تلك الأصوات المنكرة بل تجاوزتهم وكأن شيئاً لم يحدث .. فعن أيَّة تجاوزات يتحدثون وعن أى حقوقٍ يتكلمون ..!!؟
ومن المؤسف جداً أن نجد بعض أبناء هذا الوطن من الذين يَدَّعون الوطنية والتقدمية ينشرون حديث الإفك ودعاوى القتل على الهوية ، ويقومون بنشر أخبار مضللة تسئ لسمعة الوطن وتمس كرامة أهله ونسيجه المجتمعى المترابط بُغية تشويه صورته خارجياً من أجل التشهير والإنتقام من خصومهم السياسيين ..!!
ألمْ يعلم أولئك القوم إنَّ من أعظم القضايا التى عالجها الإسلام مشكلة العنصرية التى ورثتها البشرية عن نزعة إبليسية منطلقها : ( أنا خيرٌ منه خلقتنى نار وخلقته من طين ) ..!! فأصابت المخلوقين من طين بنفسِ العِلَّة فيما بينهم ..!! فقد عرفت الإنسانية عبر تأريخها نزوع مستمر للتعالى البغيض على الأجناس والألوان .. تلك العِلَّة التى عالجها رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام بقوله : ( ليس مِنَّا من دعا إلى عصبية وليس مُنَّا من قاتل على عصبية وليس مِنَّا من مات على عصبية ) .. فالتعصب القبلى علامة ضعفٍ فى الإيمان وفى الولاءِ لقِيَمْ الإسلام ، وضعفٍ فى الإنتماء الوطنى والإخاء الإنسانى ، وصفة من صفات الجاهلية ..!!
ولكن ستُخمَد نار الفتنة فى سوداننا وستُطفأ حرائقها وسيخسأ دُعاتها وستبور بضاعتهم الخاسرة بحول الله وقوته ووعى أهل السودان بما يُدَبِّر لهم بليل لكسر فرحتهم بالإنتصارات المتتالية ، وسيعيش الإنسان السودانى المتسامح واقعاً حياتياً أفضل بعد أن هُتُكَتْ أستار مردة شياطين المليشيا وقرنائهم الذين ظنوا أنهم بمنأى عن صولة الحقِّ ويد العدالة .
فأمام هذا التهافت والكيد الواضح نهيبُ بجميع الشرفاء من أبناء السودان أن يكونوا حذرين أشدَّ الحذر من أصحاب المخططات الخبيثة ، ونهيب بأهل الإعلام التفاعل المطلوب مع تلك الدعاوى وأن يُعطوها حقها من الإهتمام .. وعلى قادة الرأى العام ووجهاء بلادى الوقوف كلٌ من موقعه أمام دعاة الفتنة وتعزيز وحدة وتماسك المجتمع ونبذ تلك النعرات القبيحة ، وعلى الدولة أن تعى هذا الخطر ووأده فى مهده قبل أن يكبُر ويفعل فعله الدَّامى فى أهل بلادى .. وعليها أن تفرض دولة القانون والمؤسسات على الجميع وتلزمهم بالإنصياع لها دون تعسُّف أو تمييز فى إطار عدالة إجتماعية تُصانُ فيها الحقوق وتقسيم عادل لتنمية الولايات تذوب فيه الفوارق المناطقية من غير غُبنٍ وتهميش حتى تتحقق ثقة المواطنين بها .. فهذه الروح الوطنية الخالصة والفريدة والمتفردة التى إنتظمت بلادنا مع معركة الكرامة والتى أوصى بها ( جُدودنا زمان ) تستحق وقفة تأمُّل وتمجيد وإعجاب وفخر ، وعلينا جميعاً العضُّ عليها بالنواجذ فمن لم يكن وطنه مفخراً له فليس له فى موطنِ المجد مفخرُ ..!! فهواء الوطن وترابه ليس كهواءِ الغربة وترابها .. وسماء بلادى أكثر رحابة من سماوات الغربة .. ودفء الوطن ليس كبرد البلاد التى تموت من البرد حِيتانها ..!! فطوبى لكل من جاهد وأخلص وفدى وإفتدى .. وطوبى للقابضين على الزناد أصحاب الأجساد المُتعبَة والبطون الخاوية و العيون الساهرة .. وطوبى لكل من رفع راية الحَقَّ وزرع الفرحة والبسمة ليحَلّق الغُبُش وملح الأرض فى سماء الوطن آمنين مطمئنين ولتَقَرُّ أعينهم وبالنصر والرفعة والكرامة وليحيا الوطن .
وإن كان ثمة نصيحة لجيش بلادى فإن الجندى بفضيلَتِه قبل فصيلَٕتِه وأن الإنضباط هو الأساس فى السلم والحرب وهو مفتاح النصر .
حفظ الله بلادنا وأهلها من كل سوء .
الثلاثاء ١٤ يناير ٢٠٢٥م