الحكومة المدنية لدى قحت وتقدم : إحتكار للسلطة وإقصاء للآخرين… لا أؤيد المظاهر العسكرية ، بل حكومة تكنوقراط للبناء والاعداد للانتخابات
د إبراهيم الصديق
(1)
فى 17 اغسطس 2019م ، شهدت قاعة الصداقة إحتفال توقيع الوثيقة الدستورية ، بين قوى الحرية والتغيير (قحت) وبين المجلس العسكرى ، وجرى تصفيق حار ودموع وحديث طويل ومهرجانات ، وخلاصة تلك الوثيقة أنها (تقاسم السلطة بين العسكر وفصيل سياسي) ومن خلالها اتيح للفريق أول البرهان ومجلسه العسكرى حكم البلاد 18 شهرا ، رئيسا لمجلس السيادة الانتقالي ، وحتى الإتفاق الإطاري جاء على ذات المنوال (تقاسم السلطة مع الجنرال) ، كان كل ذلك تحت سقف ومسمى (التحول الديمقراطى والمسار السياسي) ، و كل تلك الوثائق والدساتير لم تتحدث عن انتخابات شفافة وموثق بها ، سوى فى مادة واحدة بالوثيقة ، اما الفعل السياسي الجاد وتكوين المفوضية والتعداد السكاني فقد كان أمرا مؤجلا ، وطيلة أيام ترأسه للحكومة لم يتحدث دكتور حمدوك قط عن الانتخابات الحرة النزيهة سوى مرة واحدة وجاءت عرضا فى بيان مأزوم.. فلماذا البكاء الآن لمجرد قول الفريق اول ياسر العطا (لن نسلم السلطة إلا لقوى سياسية منتخبة)؟ .. لم يقل لن نكون حكومة مدنية ؟.. لم يتم إعلان طوارىء والبلاد فى حالة حرب ، إحتراما للمسار المدني؟.. لم يعلن ولاة بخلفيات العسكرية مع كثرة الضغوط والضرورة وإنما اختار تكنوقراط ، لادارة الجهاز التنفيذى ؟.. بل تحدث عن الإنتخابات.. فما هو المزعج فيما قال ؟..
(2)
ما يزعج قحت وتقدم ، واثار حنقهم هو أنهم : لا يروون فى الساحة السياسية والمدنية والمجتمعية إلا وجوههم ، هم وحدهم القوى السياسية الفاعلة ، هم وحدهم القوى المدنية ، هم وحدهم القوى الاجتماعية ، هم وحدهم الذين من حقهم تسلم السلطة وادارة الشأن السياسي واحتكار القرار الوطنى.. هل تذكرون فى مثل هذه الأيام من العام الماضي كانت أشهر احاديثهم (يوم السبت ح نوقع الإتفاق ويوم الأحد ح نشكل الحكومة ، ويوم الاتنين شوفوا لو لقيتوا واحد يتحاوم) ، كان استبدادهم جاهز ومسنود بقوانين باطشة.. وبعد كل هذا الخراب الذي حل بالبلاد ، ما زالوا فى ذات النقطة وذات المحطة.. اما ما يزعجهم ثانيا: هو خروج مليشيا الدعم السريع من المعادلة السياسية ، وهذا أكثر نقاطهم ضعفا وإستنزافا لطاقاتهم وجهدهم و ماء وجههم ، ولا أدري بأى منطق تتوسل قوى سياسية ذات وعى وحصافة بمليشيا أرتكبت أكثر وأكبر الجرائم فى حق شعبهم ؟ .. أين عقلاءهم ؟ إن أكبر شواهد حماقة (تقدم) هو توقيع ميثاق سياسي مع هذه المليشيا ومد يد التحالف معها ، ومن الغريب أن أحد شروط (تقدم) للمشاركة السياسية هو عدم (تأجيج الحرب) ، بينما هى تضع يدها على زناد المليشيا وقدمها فى ميدانه ، المليشيا التى ارتكبت أكثر فظائع بشاعة ، وما زالت.. يا للعجب .. أن ما يحدد مواقف تقدم ليس منظومة قيمية أو معايير سياسية ، ما يحدد مواقفهم هو اسهل الطرق للوصول لكراسي السلطة والتحكم فى رقاب الناس دون حق أو انتخابات. وثالثا: ما يزعج قحت وتقدم هو غيظ أو كره للجيش ، إنطلاقا من موقفه من الإطارى أو إفشاله لإنقلابهم وتحالفهم مع حميدتى واشعال الحرب فى 15 ابريل 2023م و بحثهم عن أي ثغرة أو حديث لتجريم العسكر أو الجيش ، فهذا مربط الفرس ، ولدلق حنقهم المكبوت.. ونلحظ ذلك فى بياناتهم واخرها اجتماعهم قبل يومين فى القاهرة.. وتلك مصيبة كبيرة وهفوة وطنية ينبغي على الحكماء مغادرتها والتنصل عنها..
(3)
وللتأكيد ، فإن هذه المرافعة لا تعني تأييد تشكيل حكومة ذات طابع عسكرى أو تولي العسكر الشأن السياسي ، هذا خطأ فادح إذا حدث، وقد قلت بعد 25 اكتوبر 2021م ، إن تشكيل حكومة عسكرية خيار غير موفق ، كما أن إعلان حل حكومة دكتور حمدوك ببيان وبزة عسكرية لم يكن خيارا موفقا.. وللحقيقة ، فقد كان من الأخطاء التقديرية للرئيس البشير تشكيل حكومة ذات طابع عسكرى فى فبراير 2019م ، وإعلان ولاة بخلفيات عسكرية ، كل ذلك يعني إنسداد الأفق فى الحلول المدنية والحياة الطبيعية.. ولذلك نحمد للمجلس العسكرى عدم اللجوء إلى خيار العسكرة.. وما نطرحه ويتوافق عليه الجميع ، إعلان حكومة مدنية ورئيس وزراء مدني من التكنوقراط لادارة البلاد فى فترة الانتقال لادارة ملفين لا أكثر: إعادة الاعمار و الترتيب للانتخابات .. وارجو أن يكون ذلك ما قصده الفريق اول العطا ، وفى ظني أن موقف الجيش ما زال على موقفه الانصراف عن الشأن السياسي.. وعلي القوى السياسية والمجتمعية الترتيب لبناء تحالفاتها وادارة ملفاتها للانتخابات والمساهمة فى التعبئة الوطنية للبناء.. وهذا هو الموقف الوطنى وما خلا ذلك مجرد (صراخ وتهريج صبياني يجيده قادة ورموز قحت وتقدم)..
حفظ الله البلاد والعباد
18 مارس 2024م