الرواية الأولى

نروي لتعرف

ليمانيات / د. إدريس ليمان

الحكومة الخَفيَّة ..!!

أتانى صوت مُحدثى عبر الهاتف فَرِحاً مُتهلِّلاً ومودِّعاً : إنه موسم العودة إلى موطن الجمال ياصديقى ..!! وقد هالنى ما رأيتُ فى نقطة الإنطلاق من لهفة وشوق ودموعٍ وحنين .. !! لم أكن أدرى أن لأهل بلادى أنفُساً تؤمن بربها وخالقها بهذا اليقين ، وقلوباً تَخفق بُحب هذا السودان العزيز وتهيم بجماله ، وتُغرِّد على أفانين الحُب رغم أنف الخراب والدمار وإنقطاع الخدمات الضرورية بهذا المستوى ..!! ولم أكن أدرى أن لهم مثل هذه النفوس المُشرقة بُحب السودان والمؤمنة به لدرجة اليقين لولا هذا التدافع الحميم بالمناكب للظفر بمقعد للعودة .. !! وتساءل مُتحسراً ولاعناً المليشيا وأعوانها : لماذا نُصَدِّر القُبح ومناظر القتل والسحل لكل الدنيا ولدينا كُل هذا الجمال الإنسانى بكل الثراء الوجدانى ..!!؟
هذا هو الإنسان السودانى الذى يرجوا رحمة ربه ويحدوه الأمل فى حكومة الأمل ، ولايهتم كثيراً بلونها ولاطريقتها المُثلى .. وهل ترمى إشارتها يميناً أم يساراً ..!!؟ وغير ذلك مما إعتاد عليه أهل السودان فى مثل هذه الأحوال ، ولكنه يأمل منها أن تهتم بتحسين معاشه وتعمل على إستتباب أمنه المجتمعى والصحى والتعليمى .. ويقيناً أن هذا الأمر لايتأتى لأعضاء الحكومة إلاّّ بالبطانة التى من حولهم سيئةً كانت أم خَيِّرة فهى التى تصنع المشهد فى واقع الأمر وهى من تصنع الفارق ..!!
وشتان مابين أهل الثقة ( وهو الوصف الأكثر نعومة لبطانة السوء ) التى يتوهم بعض المسؤولين أنهم يضمنون بوجودها من حولهم الإستمرار فى مواقعهم الوزارية ومناصبهم العليا لأطول فترة ممكنة ( خطأً منهم فى التقدير وسوءًا فى التدبير ) دون أى إعتبار لمصلحة الوطن والمواطن .. !! ولا يدرون أوأنهم يعرفون ولكنهم يَغُضُّونَ الطرف ( رَغَبَاً أو إستلاباً ) من أنها هى من تُعينهم على أخطائهم ولا تُرشدهم إلى الصواب .. !! وبين أهل الخِبرَةَ من البطانة الصالحة التى تُقَدُّم أفضل الأستشارات وأصدق النصائح لأصحاب المقامات العالية والمواقع الرفيعة ، وتواجِهُهُم فى ذات الوقت بأخطائهم ولا تجاملهم فى الحق مهما كان الثمن ..!!
وقد علمتنا التجارب السياسية أن أهل الثقة من بطانة السوء يتمتعون بقدرات مُدهِشة لتقوية نفوذهم ، وبمهارات فى منتهى الإنتهازية للدرجة التى يُصبحون فيها من أهل الحل والعقد ، والأمر والنهي عندما يجدون صاحب المقام العالى بعيداً عن واجباته الحقيقية وغارقاً فى أنانيته وهمومه الشخصية .. فيَحجُبونَ الناس عنه ، ويسيطرون عليه بأحابيلهم للدرجة التى يجعلون منه صوفياً متبتلاً فى محرابهم يُسَبِّح بحمدهم آناء الليل وأطراف النهار ولايعرف غيرهم ، فتضيع حقوق الناس وتَضعُفـ دولة القانون وتتلاشى مؤسسات العدالة ..!!
فعلى أصحاب المعالى الوزراء تَوخِّى الحذر الشديد من أهل الثقة وبطانة السوء التى من وُقى شرها فقد وُقى كما جاء فى الحديث الشريف .. فإن تلك الطُفيليات تُعطِّل دور القانون وتنتفى بوجودها حول المسؤول المصداقية والشفافية فى القضايا التى تتعلق بضمان الحقوق والواجبات لجميع الرعية .. كما أنها تُساهم فى صناعة الفرعون بتعظيمه وتمجيد ما يقوم به من أفعال وأقوال وتصويره وكأنه المُلهم الذى لا يأتيه التقصير من بين يديه ولا من خلفه ..!! والقارئ الجيد لأحداث التأريخ يجد أن أكثر الأصوات المُسرِفَة فى المديح وأكثرهم قُرباً وإلتصاقاً بأصحاب المناصب الرفيعة هم الأكثر بُعدَاً عندما يُغادِرونَ مواقعهم .. بل وأخطرهم سُمَّاً وتزييفاً للحقائق ذمَّاً وقدحاً وإرجافاً وإفتراءً .. !! فعلى السادة أصحاب المعالى الوزراء القيام بواجباتهم برؤية تنسجم مع المصلحة العامة للبلاد وإدراك المستقبل بصورة موضوعية يكون أساسها المنطلقات القيمية والوطنية والدينية بالضرورة .. وعلى أصحاب الأقلام الصادقة والواعية والمستنيرة من الكُتاب والمثقفين بل وعلى كافة فئات المجتمع السودانى الذى عَلَّمته التجارب القاسية محاربة تلك الكائنات اللَّزِجَة وفضحها وتبيان خطرها على المجتمع والدولة حتى لا تَحكُمنا الحُكومة الخَفيَّة ..!!
نسأل الله الإعانة والتوفيق والسداد لمن إبتلاهم الله بالوزارة وأن يجعلهم مفاتيح للخير مغاليق للشر إنه أكرم مأمول وبالإجابة جدير .
الا هل بَلَّغت .. اللَّهم فأشهد ..
وحفظ الله بلادنا وأهلها من كل سوء .
✍🏼 لواء شُرطة (م) :
د . إدريس عبدالله ليمان
الأحد ١٣ يوليو ٢٠٢٥م

اترك رد

error: Content is protected !!