∆ في الأسبوع قبل الماضي من مايو الجاري هذا كتبت على هذه الزاوية مادة بعنوان (حالة الطوارئ وتحصين التعبير السياسي)، وأوضحنا أنه برغم كل المقتضيات الاستثنائية التي أدت إلى إعلان حالة الطوارئ، ورغم كل ما سبق إيراده من توصيف لحالة السيولة والهشاشة الأمنية والاقتصادية، بل والعامة في البلاد فإن المفترض أن يزول وضع الاستثناء، وتنتهي حالة الطوارئ، ويذهب الناس لمزاولة حياتهم الطبيعية بكل ما عليهم من واجبات وكل ما لديهم من حقوق.. وقلنا من الطبيعي إن واحدة من أدوات تحقيق ذلك ـ على العموم والإجمال ـ هو ممارسة السياسة الوطنية الراشدة.. وحمدنا الله أن ذهبت مع الريح واحدة من (صناجات) اللاءات الثلاث التي رفعت عقب إجراءات 25 أكتوبر وهي (صناجة) لا حوار ـ وتساءلنا هل سيستعصي بالحوار أن يتم التوافق (أولاً) على تحصين التعبير السياسي بكل أدواته ووسائله المتحضرة والمعلومة من آثار الطوارئ؟ باعتبار أن التعبير السياسي هو الطريق المعبد لحل الأزمات وطرح الحلول،، وكانت الإجابة في اعتقادي بنعم.. وقلت إن الحديث تكرر عن ضرورة تنظيم وتأمين المواكب ـ حتى تكون مواكب بلا عنف ـ ، وكذلك وقاية المنابر السياسية والتجمعات ،، ثم أكدنا ووفق ما يجري في كل دول العالم أن هذا التنظيم والتأمين لن يتأتي إلا بالتضامن والمسؤولية المشتركة بين جميع الأطراف المشبعة بالإرادة التي تدرك واقعاً وفعلاً أنه بلا بيئة آمنة ومستقرة للجميع لن نستطيع أن نتقدم (شبراً) نحو آفاق أي حل أو تجاوز لعقبات الانتقال الكؤودة .
∆ والحمد لله كان فألاً حسناً وتوافقاً حميداً مع ما كتبت أن يصدر رئيس مجلس السيادة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان مرسوماً رفع بموجبه حالة الطوارئ من كل أرجاء البلاد، عملاً بتوصية مجلس الدفاع والأمن الذي كان قد عقد جلسته التي رفع فيها التوصية قبل إصدار المرسوم بساعات .
∆مجلس الدفاع والأمن حسب مقرره، اللواء صبير، كان قد استعرض مجمل الأوضاع الأمنية في البلاد، وتقدم بعدة توصيات منها السماح لمكتب قناة (الجزيرة مباشر) بالعودة للعمل بالخرطوم، بعد سحب ترخيصه في يناير الماضي، وأفادت وزارة الثقافة والإعلام بحسب البيان الرسمي حينها بأن سبب إغلاق مكتب قناة (الجزيرة مباشر) بالخرطوم لما اعتبرته (التناول غير المهني للشأن السوداني)، واتهمت القناة بالعمل على (ضرب النسيج الاجتماعي بالبلاد، ببث محتوى إعلامي مخالف لسلوكيات وأعراف وأخلاقيات المهنة وأدبيات الشعب السوداني؛ مما أدى إلى الإضرار بالمصالح العليا للبلاد وأمنها القومي) .
∆ بالطبع لم تتحدث وزارة الإعلام عن تحيز (الجزيرة مباشر) ضد إجراءات 25 أكتوبر أو كل المساجلات السياسية التي تمت عبرها أو التغطيات المباشرة للتظاهرات (العديلة والمفهلوة) لكنها استندت علي ما تم رصده من تركيب بعض المقاطع القديمة للتظاهرات (اعتذرت عنها القناة بصورة مواربة في برنامج يستعرض تفاعلات السوشال ميديا)، وكذلك عدم فلترة ما بث من ألفاظ نابية غير لائقة أن تبث على قناة مثل (الجزيرة) أو ترسل إلى مسامع الأسر السودانية .
∆ في اعتقادي أن إعادة ترخيص عمل مكتب القناة جاء من مجلس الدفاع والأمن لعدة أسباب منها: ـ أن الإعلام أضحى الآن، وبلا مغالطة واحدة من أخطر الأدوات التي تؤثر في الأمن القومي للدول والشعوب . ـ أن دواعي الإغلاق كانت بالدرجة الأولى أمنية وعلى جانب حساس هو أمن المجتمع ـ إن الخطوات الآن تسير بكل ثقة نحو تهيئة البيئة للتوافق الوطني في خضم دعوات الحوار ومبادراته، تأكيد على أن لا مشكلة مع عمل القناة في إطار الواقع والمهنية بعيداً عن المحتويات التي اعتذرت عنها الجزيرة. وأخيراً جاءت التوصية في إطار حزمة من متطلبات نادى بها من يجلسون الآن على منصة الوساطة والتسهيل (الله يسهل عليهم )،، والى الملتقى ..