أشرت في عمود الأمس إلى ظاهرة الظهور الكثيف للافتات وعناصر حركات مسلحة غير موقعة على إتفاقية السلام مع حكومة الثورة، وأشرت لتصريحات أحد قادة هذه الحركات وتأييده المطلق لإسقاط الوضع الإنتقالي الحالي بإعتباره إمتداد لحكومة المؤتمر الوطني البائدة، وأشرت لتأييده الموثق بالفيديو المنتشر في الفضاء لنموذج الثورة الشعبية المسلحة من داخل الخرطوم والذي طرحه أحد عرابي الحركات المسلحة، ولإحتمالية تحول هذه الفكرة الحمقاء للتنفيذ بحسب مؤشرات واضحة للعيان وآثارها الكارثية المتوقعة إن حدثت، ونواصل!
وإن سأل أحدهم عن الحواضن السياسية الداخلية لهذا السيناريو المتوقع فلننظر لعلاقات الحركتين الرافضتين لاتفاقيات سلام جوبا واللتان لا تزالان تحتفظان بقواتهما خارج رقابة الدولة و أجهزتها الأمنية، علاقاتهما الداخلية ببعض الأحزاب السياسية التي وقعت معهما إتفاقيات منشورة ومعلومة وتربطهما بهم أواصر الفكرة والإيديولوجية، وهي ذات الأحزاب التي من خلالها مظلات عملها السياسي المتعددة مثل تجمع المهنيين وبعض لجان المقاومة ومنظمات المجتمع المدني والنقابات التي تسيطر على لجانها تحرك الشارع اليوم وتنظم المواكب وتحشد صور الشهداء والدم لتأجيج الشارع أكثر وأكثر، أما الحواضن الخارجية فإن لذات الحركتين علاقات لا تخفى على حصيف بدول المأوى الذي يقيمون على أراضيها وعلاقات بمنظمات أجنبية ودولية تتخذ منها هذه الحركات مستشارين دائمين لها ويمدون هذه الحركات بالدعم اللوجستي والسياسي وقد ظهروا جهاراً في مناسبة عدة مثل زيارة رئيس الوزراء السابق د. حمدوك لمنطقة كاودا معقل إحدى هاتين الحركتين، بل في داخل مكاتب مجلس الوزراء كمستشارين وخبراء أجانب في حقبة حمدوك الأولى.
الجانب الآخر في الضفة المقابلة لهذا السيناريو هو الحركات التي وقعت على إتفاق جوبا للسلام ونالت بموجبه حظوظ كبيرة في الثروة والسلطة وشرعت في الترتيبات الأمنية لقواتها، ونال قادتها مواقع دستورية مرموقة وحققوا مكاسب سياسية كبيرة، بل عملوا سياسياً على دعم موقف السلطة الإنتقالية الحاكمة حالياً وظهوراهم كحليف أساسي لقائد الجيش وقد ساهموا بإعتصامهم الشهير أمام القصر في دفعه لأتخاذ قرارات الخامس والعشرين من أكتوبر، وقد اشارت بعض التقارير من الضفة المقابلة لهذه الحركات أن بعض منسوبيها قد شاركوا مع الشرطة في التصدي للمظاهرات التي تجري في الخرطوم هذه الأيام، فكيف سيكون موقف هذه الحركات في حال أقدم المعسكر الرافض لقرارات الخامس والعشرين على حماقة تنفيذ فكرة (الثورة الشعبية المسلحة)!؟ ألن تكون المحرقة التي لن تصيب الذين يلعبون بنيران السياسة خاصة بل ستتعداهم ليحترق الوطن أكمله بنيران الفتنة الكبرى خاصة إذا أخذنا بالإعتبار الأبعاد القبلية والعشائرية والجهوية لمكونات الضفتين المتصارعتين.
بالطبع لم أذكر هنا شئياً عن الجيش السوداني ولا عن قوات المنظومة الأمنية بالبلاد أو قوات الدعم السريع وقائدها حميدتي الذي قد يبدو جلياً في أي الضفاف سيقف في مثل هذه المعركة،. نواصل.