ثقافة ومنوعات

قصيدة في رثاء فقيد الفن النوبي عبد الرحيم شاهين للشاعر النوبي الكبير جلال عمر قرجه

✍️ : محمد شريف أبوداؤود 

وأخيراً وبعد أن تحرر شاعرنا الكبير جلال عمر قرجة من قيود المعاناة وسلطان الدموع والأسى جراء الفقد العظيم , يتحفنا بقصيدة صادقة معبرة, تفيض ألماً, وتقطر لوعةً وحسرة, في رثاء فقيد الفن النوبي: الفنان المتفرد صاحب الحنجرة الماسية عبد الرحيم شاهين ، وذلك بعد طول إنتظار ومخاض عسير لا أعرف لهما سبباً سوى المشاعر الجياشة التى إجتاحت وجدان شاعرنا الكبير وسدت عليه آفاق القريض ، وكبلته وألجتمه على غير العادة وذلك لما كان للفقيد من منزلة خاصة لديه إذ كان يعتبر بحق الراعي والأب الروحي له ،فيا له من حزن ويا له من أسى !.                                           

والراحل يستحق كل هذه المعاناة فهو يعتبر رائد الجيل الثاني الذي حمل لواء الجيل الذهبي والذي قاده الفنان القدير إدريس إبراهيم وزكي عبد الكريم, وبقية العقد الفريد الفنان عبد اللطيف توسي، كمال خير الله ، عبده سعيد وجوهر وآخرين. و الذين اصابهم ما اصاب غيرهم من النوبيين من داء الاغتراب و الهجرة فابتعدوا قسرا عن الوطن و انقطعوا عن الساحة الفنية ردحا من الزمن مما اصابها بالفتور و الانحسار حتى بروز الفنان القدير و المتفاني عبد الرحيم شاهين صاحب الحنجرة المميزة و الاداء الرائع , والحضور الآسر ,حيث استطاع أن يعيد للفن النوبي الدنقلاوي ألقه و اشراقه , مستغلاً انتشار وسائل الاعلام المسموعة و المرئية . لذا يدين له شاعرنا بكثير من الفضل , حيث تغنى بالعديد من نصوصه .. كما ندين له نحن النوبيون قاطبة بذلك .

وليس بمستغرب على شاعر مرهف الاحساس رقيق المشاعروالكلم كجلال عمر أن يسكب الدمع الثخين على فقد فنان في قامة النخيل و شموخ الدفوفة كالفنان عبد الرحيم شاهين,, فاللدموع قصص تروى فهي عند الصغار وسيلة للاستجداء و تعبير عن الالم, ولا تعبر عن ضعف عند النساء بقدر ما هي تعبير عن رقة الحواشي , وصدق المشاعر فتراهن يفزعن اليها فرحا وحزنا , كيف لا وهو سلاحهن الماضي.

ورغم ندرتها فهي عند الرجال دلالة على رقة القلب و الحب الصادق خاصة تلك المرتبطة بفقد حبيب او عزيز و سر قوتها تكمن في ندرتها . فهي تطفئ الالم و اللوعة التي تعتمل في الدواخل وتريح الفؤاد المعنّى , و تغسل القلوب المكلومة ,, و ان القلوب لتحزن وتتفطر أسًى ,و أن العيون لتدمع لفقد الاحبة .

و قد لاتسعفك الدموع احيانا اذا اشتد عليك الحزن و الأسى و لقد تحدث الشعراء كثيرا عن الدموع , وصدقها . فيقول الشاعر اللبناني إيليا ابو ماضي :

هجروا الكلام إلى الدموع لأنهم * وجدوا البلاغة كلها في الأدمع

و يقول الشاعر المصري محمود سامي البارودي :

فزعت الى الدموع فلم تجبني * و فقد الادمع عند الحزن داء

و ما قصرت في جزعٍ و لكن * اذا غلب الاسى ذهب البكاء

و يقول آخر :

بكيت و هل بكاء القلب يجدي * فراق أحبتي و حنين وجدي؟

فما معنى الحياة اذا افترقنا * و هل يجدي النحيب فلست ادري ؟

و يقول الكاتب أنيس منصور :

انني استطيع أن اوقف الكلام في حلقي , أما الدموع فلا استطيع .

وهذا بعض ما قاله شعراء العربية في الحزن والدموع .. ترى ماذا قال الشاعر النوبي جلال عمر قرجة :

القصيدة :

jugrIn ogjin ovmisse * en illerdo jugrImon

kudde an A telEwe wedel*** nalliido eddo digrImun

ay er nogsindotOn cAhIn * nErmun kalmun nImun

essi ay nIri gon jaddin * kalli gon an nedir sImun

kinEki aygi jobbegirel * bagid artindin an Imun

Agin er elgon an Anqir * baVVin in ekkiri dImun

sAwekoran desen cAhIn * ekki An tUrtOn Ag doleli

andi ged Oli mugsan bAd * nErod biqqi ta ekki eleli

andi kUrkoran mnelengi * ekki Ag On gijir neleli

cUg undurkoran tin Anqir * Awsungi ekki uvurtireli

en nillar bitAni ta jamme * dakregi sokke kummekoran

hOy cAhIn erOd dUl kinna * werwEki uwwe jammekoran

acay tin barrer iqqan tEbin * eqqeli wEri biqqikoran

essi gi kUrti sawrOd * teddo tin jakkarki wiqqikoran

ceg dEgsun kuregi jerod * argi jUrte ged Ag geleqqikoran

jangis kalgi agillo Ag tirirsun * bErod sarber aqqikoran

malOman dacko mando jomel * ar ekki tiroskoru endin eran

man wissinqi gongi bi tiddu * unatti gon en tonindin eran

micindilon iddotOn kerevon * in argi galig mun andimunun

dOckirir mende argi tenne * A budoskin gendimunun

Argi dAsun nahad mugusurwe * ar kiray ged bavvimunun

Daffa ged tOreligi nalwe * andin in nUba indimunun

 artigi Are dAl misirmun * odde mIvqigi sandimunun

kikke akin gon bandi wEron * kawwan Arer bandimunun

jedder AwdEnsangi cAhIn * argonon tO nalkomunun

an ned Ag anedirki narkel * tiddo wErangi ekomunun

tEgos ur tUr baddi jawwEl * jUmiri hattEr belkomunun

mando icin cegsungi ju jerwe * ann ur eddOr cerkemun

الرحيل المُر :

و شاعرنا الكبير جلال عمر و بعد ان هدأت مشاعره و تمكن من امتصاص الصدمة القاسية التي ألمت به على حين غرة, استسلم لارادة المولى , و هو المستسلم دوما لارادة الله المراقب له في كل تصرفاته , يبدأ مرثيته بهذا البيت الحزين :

جوقرين اوقجن اونجمسى * ان نلر دو جوقريمون

jugrIn ogjin ovmisse * en illerdo jugrImun

حيث يقول : ان دموع الرجال عزيزة و غالية لا تصدر الا من انسان مكلوم وهي بالفعل تعبر عن صدق المشاعر والاحاسيس و الانفعالات التي تتفجر في شكل دموع ساخنة, تريحه وتطفئ بعض ما به من حزن وأسى, ويقول ايضا : نحن نبذلها لك يا شاهين لانك تستحقها.

كودي أن آ تليوي ودل * نلِدو إدو دقريمون

أي ار نوقسوندوتون شاهين * نيرمون كلمون نيمون

اسي اي نيريقون جَدٍّ * كلّيقون أن ندِر سيمون

kudde an A telEwe wedel*** nalliido eddo digrImun

ay er nogsindotOn cAhIn * nErmun kalmun nImun

essi ay nIri gon jaddin * kalli gon an nedir sImun

يقول شاعرنا الكبير : لقد اعتصرنا الألم و نحن لفراقك يا شاهين لمحزونون ، و يضيف قائلاً أننا مهما بالغنا في إظهار مشاعر الحزن فإننا نشعر بالقصور إذ لا نستطيع أن نوفيك حقك مهما فعلنا و سنظل نذكرك ما حيينا . و يقول : لقد قض مضاجعنا رحيلك المر فأصبحنا لا نذُق طعماً لملذات الحياة من أكل و شراب ، لقد تغير طعم كل شيء حتى الماء و الطعام ، إذ كنت بمثابة ملح هذة الحياة و ريحانتها ، و برحيلك قد زهدنا كل شيء .

شرح بعض الكلمات :

 (جَدي jaddi )  العطرون .

(سِيم sIm )  الجرجير البري .

كِنّيكي ايقي جوبيقرل * بَقِد أرتيندٍ أن إيمون

kinEki aygi jobbegirel * bagid artindin an Imun

رغم حزنه العميق يظهر شاعرنا تأدباً مع ربه عهدناه فيه ، و صبراً جميلاً ممتثلاً لأمر الله تعالى في مثل هذه النوازل ، مستدعياً الكتاب و السنة النبوية الوضيئة ، متأسياً برسول الله صلى الله عليه و سلم عندما توفي إبنه إبراهيم حيث قال صلى الله عليه و سلم ” إن العين لتدمع و إن القلب ليحزن و إنا على فراقك يا إبراهيم لمحزونون ” . فهاهو شاعرنا يصدح قائلاً أن لكل أجل كتاب و أن كل نفس ذائقة الموت و لا رادٍ لقضاء الله و قدره و أن الموت سنة ماضية في البشر و لا نقول إلا ما يرضي الله ، و في هذا إمتثال و إذعان لأمر الله سبحانه و تعالى ” كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ۗ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ۖ وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (35)” سورة الأنبياء .

 هذه المسحة الدينية أصبحت صفه ملازمة للشاعر جلال عمر تكسو كل أشعاره .

حب و وفاء :

آقن ارالقون أن آنجر * بنقن ان اكيري ديمون

ساويكورن دسن شاهين * اكّي آن تورتون آق دوليل

أنديقد اولي موقسن باد * نيرود بجي تا اكي اليلي

أندي كوركورن مينيلنقي * اكّي آق اوون قِجر نيليلي

شُوق أوندُركورن تن آنجر * آو سُنقي اكّي انجرتيريلي

ان نِلَّر بِتانِ تا جَمي * داكريقي سوكي كُمّيكورن

هوي شاهين ارود دول كنّا * ويرويكي اوّي جمّيكورن

Agin er elgon an Anqir * baVVin in ekkiri dImun

sAwekoran desen cAhIn * ekki An tUrtOn Ag doleli

andi ged Oli mugsan bAd * nErod biqqi ta ekki eleli

andi kUrkoran mnelengi * ekki Ag On gijir neleli

cUg undurkoran tin Anqir * Awsungi ekki uvurtireli

en nillar bitAni ta jamme * dakregi sokke kummekoran

hOy cAhIn erOd dUl kinna * werwEki uwwe jammekoran

و يسترسل شاعرنا قائلاً لقد امتلكت منا القلوب و العقول بأعمالك الفريدة و بدماثة خلقك ، ويضيف قائلاً و مثلك يا شاهين لا يموت بل يظل خالداً و لإن رحلت بجسدك ستظل روحك تحَلِّق و ترفرف فوقنا مذكرةً إيانا بأعمالك الخالدة ، و قد إفتقدتك و إفتقدك مُحِبوكَ الذين يكنون لك حُباً عميقاً . كيف لا و أنت الملهم و الهادي لهم ومن بث الروح في جسد الفن النوبي بعد أن خار و أصابه الوهن و غط في سبات عميق ، بأن أعدت له وهجه و بريقه . فكنت بحق الرائد ، لذا يبادلونك حباً بحب و وفاءً بوفاء و يقول : لقد إحتضنتهم و منحتهم روائع الغناء و الطرب الجميل و أظهرت لهم بلاغة اللغة النوبية و روعتها ، و عمق الثقافة النوبية و حببتهما إلى نفوسهم ، لكل ذلك كان حزنهم عميقاً على فراقك إذ أنهم ما زالوا يحفظون لك صنيعك لما خلفته من إرث عظيم ، فلا غرو أنهم كانوا يُحَلِقون حولك و يحيطون بك إحاطة السوار بالمعصم أينما حللت ، يستمعون لك بكل شغف و ولهٍ يخشون أن تتسرب من بين أيديهم و لكن هيهات .

شرح بعض الكلمات :

( بنقي baVVi ) فارق – إبتعد .

( ساوي sAwe ) إستوحش .

( انجر uvur ) إعرف ، إعلم .

(دكري dakre ) طبل كبير يقرع بعيدان من الخشب (النحاس).

نعي الأمة النوبية :

أشي تن برر إجّن تيبن * اجلي ويري بجيكورن

اسي قي كورتي سورود * تدّوتن جكّركي وجيكورن

شيق ديقسُن كُريقي جيرود * أرقي جورتي قد آق قلجيكورن

جنقس كلقي اقِلّو آق تِرِرسُن * بيرُد سربير أجيكورن

acay tin barrer iqqan tEbin * eqqeli wEri biqqikoran

essi gi kUrti sawrOd * teddo tin jakkarki wiqqikoran

ceg dEgsun kuregi jerod * argi jUrte ged Ag geleqqikoran

jangis kalgi agillo Ag tirirsun * bErod sarber aqqikoran

و بعد أن أجاد شاعرنا في رثاء الفقيد شاهين يتحول لرثاء الأمة النوبية و كأني به كان ينتظر مثل هذا الحدث المفجع حتى يفرغ ما في جعبته من مخاوف تجاه هذه الحضارة التليدة من الإندثار ، و التي عرف أهلها بمآثرهم الحميدة على مر الحقب و الأزمان فأصبحوا هداة للبشرية ، ينحو شاعرنا هذا المنحى لحاجةٍ في نفسه و ما أكثر تلك الحاجيات في نفس شاعر مرهف كجلال عمر يحمل هموم أمته و يذكرهم دوماً بمجدهم الغابر و حاضرهم المشرق و كيف أنهم هم من أنشأوا أولى الحضارات في العالم و كانوا منارات للعلم و المعرفة ، و لم يعرف عنهم أنهم إعتدوا على جار أو صديق ، و لم يعرف عنهم بأن لهم حروب و ثورات بينهم ، و حتى و هم في أضعف حالاتهم ، ولكن تُرى ماذا أصابهم ؟! حتى ينساقوا خلف هؤلاء الذين يعملون ليل نهار و بجد و إجتهاد على تعكير صفو العلاقات بينهم و زرع الفتن و الإصطياد في الماء العكر .

و لقد عَبَّر عن ذلك شاعرنا ببيت جميل يدل على تفرده و سعة خياله و إمتلاكه ناصية هذه اللغة الجميلة أُنظُروا لجمال هذا البيت :

اسي قي كورتي سورود * تدّوتن جكّركي وجيكورن

 essi gi kUrti sawrOd * teddo tin jakkarki wiqqikoran

فهو يوجه رسالة إلى كل النوبيين بأن إحترسوا لمثل هذه المحاولات الماكرة و يحثهم على الوحدة و التمسك بثقافتهم و لهجاتهم بكل وكل مكوناتهم النوبية فهم أمةُ واحدة و هكذا خلقوا و يجب أن يظلوا كذلك ، و يقول إن مقارنتهم بمن هم أقل منهم شأناً و أقصر قامةً لظلم عظيم لهم، فهم أصحاب حضارة باذخة و ماضٍ عريق و حاضر زاهر فعلى هؤلاء أن ينهلوا من هذه الحضارة و من هذا الإرث بدلاً من إيغار الصدور و إشعال جذوة الفتنة بينهم ، فنحن لسنا في حاجة إلى بضاعتهم الكاسدة التي شبهها شاعرنا الكبير بــ(جورتيjurte ) و هي ثمرة القرض مرة المذاق ، و لقد شبه شاعرنا الكبير الحضارة النوبية و طور بنائها بتلك النخلة المباركة (كُراkura ) التي تم تعهدها بالسقاية و الرعاية حتى أصبحت نخلة مثمرة تمد الجميع بخيراتها و شبه ما لدى الأخرين بشجرة السنط التي تطرح ثمرة القرض(جورتيjurte ) مرة المذاق و التي لا تحتاج لكبير عناية و رعاية بل تنبت بصورة عشوائية فالشاعر إبن بيئته يجيد وصفها و تطويعها كيف يشاء ، و أيضاً شبه نكرانهم للجميل بالذي تطعمه بأن تضع اللقمة في فمه ثم يقوم بعض اليد التي أطعمته :

جنقس كلقي اقِلّو آق تِرِرسُن * بيرُد سربير أجيكورن

jangis kalgi agillo Ag tirirsun * bErod sarber aqqikoran

تشبيه رائع لا يصدر إلا من شاعر رائع كجلال عمر قرجة .

شرح بعض الكلمات :

(بجيbiqqi ) إستيقظ .

(كورتيkUrti ) أخلط .

(سورsawwur ) أمزج ، أخلط ، أضف .

(سربيsarbe ) الإصبع .

وعود جوفاء :

مَلومن دشكو مندو جومل * أر اكي تروسكورو اندن ارن

من وسنجي قونقي بي تدّو * اونتيقون ان تونندن ارن

مشندلون ادّوتون كرنجون * ان أرقي قلق مون أندي مُنُن

دوشكِرر مندي أرقي تنّي * آ بدوسكن قنديمُنُن

آرقي داسُن نهد مُقُسُروي * ار كِريقد بنجيمُنُن

malOman dacko mando jomel * ar ekki tiroskoru endin eran

man wissinqi gongi bi tiddu * unatti gon en tonindin eran

micindilon iddotOn kerevon * in argi galig mun andimunun

dOckirir mende argi tenne * A budoskin gendimunun

Argi dAsun nahad mugusurwe * ar kiray ged bavvimunun

ما زال شاعرنا الكبير يتحدث بإسم أمته موجهاً عتاباً حاراً لأولئك الذين يحاولون زرع البغضاء بينهم وسعيهم المستميت لسلب حضارتهم و طمس هويتهم بشتى الطرق و لإلهائهم عمدوا لتقديم الوعود الكاذبة أن وضعوا القمر في يمينهم و الشمس في شمالهم تحت إلحاحهم ومطالبتهم بإعطائهم حقوقهم و تركهم لإبراز حضارتهم بصورة لائقة للعالم و هذه وعود كالسراب لا ينتظرون هم أنفسهم تحقيبها .

تُرى من يقصد شاعرنا الكبير بهؤلاء ؟! أتُراه يقصد المتنفذين ووعودهم المتكررة بإنشاء معاهد لدراسة اللغة النوبية و إعتمادها في المدارس الحكومية ، أم تُراه يقصد منظمات المجتمع المدني النوبي الذين تَصَدُّوا للعمل النوبي ! إذا كانت سهام الإتهام موجهة نحو تلك المنظمات ونحن منهم فإننا نعترف لك شاعرنا الهمام بعد أن نرفع لك العمائم إحتراماً و إجلالاً بتقصيرنا التام تجاه نوبيتنا و تجاه لغتنا و تجاه مبدعينا من كتاب و أدباء و شعراء و مطربين ، لكننا لم نعمل قط و لن نعمل على زرع الفرقة و الشتات بين النوبيين بل سنكون سفراء للمحبة و الوئام منادين بالوحدة بيننا وسنعمل على ذلك و يقيننا أنك ستجد لنا العذر

وقد شبه شاعرنا هذه الوعود كالذي يبيعك سمكاً في لجة .البحر و يذهب أبعد من ذلك أن يعطيك صكاً بملكية النجوم و أيضاً القمر هدية منه لأبنائنا ، و لقد عَبَّر عن ذلك شاعرنا بأبيات جميلة تدل على علو كعبه و تفرده :

مَلومن دشكو مندو جومل * أر اكي تروسكورو اندن ارن

من وسنجي قونقي بي تدّو * اونتيقون ان تونندن ارن

malOman dacko mando jomel * ar ekki tiroskoru endin eran

man wissinqi gongi bi tiddu * unatti gon en tonindin eran

و يقول شاعرنا بأسىً بالغ و بمرارة ٍ كبيرة .. قبيحة تلك الأعمال التي تقومون بها و التي لا تأتي إلا من الصغار فهي لا تشبهنا نحن النوبيين فنحن لسنا كذلك ، و يقول لا تبذلوا لنا الوعود الكاذبة فنحن أكبر من أن ننخدع ، و يقول متأوهاً إن القلب إذا ما جرح فمن الصعوبة أن يُداوى مرةً أُخرى و عبر عن ذلك ببيت جميل :

دوشكِرر مندي أرقي تنّي * آ بدوسكن قنديمُنُن

dOckirir mende argi tenne * A budoskin gendimunun

مع أن كلمة (بُدbud ) تعني الخلع والفصل و ليس الجرح قاصدا أن القلب إذا ما جُرح فمن الصعب علاجه و إعادته لسيرته الأولى ، و يقول أيضاً أتركونا كما كنا فنحن المجد بعينه لا ننتظر و عوداً و لا منحا من أحد فنحن أصحاب حق و حضارة و سننال مبتغانا بجدنا و اجتهادنا .

شرح لبعض الكلمات : (دشكوdacko ) نوع من السمك .

أوهام الدخلاء و الدهماء :

دفَّ قد تورلقي نلوي * اندِن ان نوبا انديمُنُن

أرتيقي آ ري دال مسرمُن * اودي مينجيقي سنديمُنُن

كِكّي اكن قون بندي ويرون * كوّن آرير بنديمُنُن

Daffa ged tOreligi nalwe * andin in nUba indimunun

 artigi Are dAl misirmun * odde mIvqigi sandimunun

kikke akin gon bandi wEron * kawwan Arer bandimunun

و بامتعاض شديد يشير شاعرنا الكبير إلى الدخلاء الذين لا يؤمنون بالنوبة و حضارتهم و مع ذلك يتصدرون المشهد النوبي و يتربعون على قمته في غفلة من أهله فيحذرهم شاعرنا و يذكرهم بأن هذا إرثنا ، فنحن أحق منكم برعايته و إبرازه. و عبارة (دفقيد تورليقي Daffa ged tOreligi ) تعتبر من الأقوال المأثورة أجاد الشاعر توظيفها و هي تعني ذلك الشخص الذي لا يحسن ما يصنع ومع ذلك تجده في كل المحافل ، و أيضاً هناك عبارة أُخرى تقال في مثل هذه المواقف (دكرأُلُقكّددابون dekker ulugked dAbun ) كناية عن قلة الخبرة و (دكيdekke ) تعني لعبة (الشدت) و هي لعبة نوبية يمارسها الصبية باستعمال رجل واحدة و رفع الأُخرى عن الأرض و محاولة الوصول إلى الهدف دون أن يطاح به من الفريق الخصم ، أما الصغار الذين لا يستطيعون القيام بذلك فيمسكون آذانهم بأيديهم بدلاً من رفع أرجلهم لعدم قدرتهم و ضعف بنيتهم الجسمية .

و يردف قائلا نحن مؤمنون بعدالة قضيتنا و مؤمنون بالله و ببعضنا و سنبذل الغالي و الرخيص في سبيل ذلك إلى أن نصل إلى الهدف المنشود ، و يقول نحن من نفرٍ لا تزيدهم شدة الجهل عليهم إلا حلماً و عفواً و سندع أعمالنا تتحدث عنا مستشهدين و مستصحبين دين حنيف لا عوج فيه يهدي إلى صراط مستقيم و حضارة سامقة .

 و يمضي قائلاً : أنه لو حانت ساعة الرحيل من هذه الدنيا التي لا نملك من حطامها إلا قبراً يأوينا و الذي لا يتعدى شبراً من هذه الأرض الواسعة و لكنه رغم ضيقه واسع فسيح بفضل الله سبحانه و تعالى و يكون مد بصرك باعمالك و برحمة ربك .

 بارقة أمل :

جدّر آودنسنقي شاهين * أرقونون تو نلكومُنُن

أن ند آق اندركي نركل * تِدّو ويرنقي الكومُنُن

تيقوس اُر تور بدّي جويل * جومري هتّي بلكُمُنُن

مندو اشن شيقسونقي جو جيروي * ان ار ادّور شيركِمون

jedder AwdEnsangi cAhIn * argonon tO nalkomunun

an ned Ag anedirki narkel * tiddo wErangi ekomunun

tEgos ur tUr baddi jawwEl * jUmiri hattEr belkomunun

mando icin cegsungi ju jerwe * ann ur eddOr cerkemun

يقول شاعرنا : موجهاً حديثه للفقيد شاهين أنه و وسط كل هذا الركام من المنقصات ما زال هناك بريق من أمل حيث أن هناك أشخاص يعرفون للنوبة و للمبدعين قدرهم و يقول له أيضاً ليتك كنت معنا في زيارتنا لجدة و كيف أن إخوة لك أكرموا وفادتنا و أخجلوا تواضعنا و كرّموا كل النوبيين في شخصنا و حقيقة لقد أعادوا لنا البسمة و الأمل و أشعرونا بأن هناك أُناس يستحقون أن تقدم من أجلهم و أن النوبية حضارة و إنساناً في أيدٍ أمينة و لم يسمهم إجلالاً و تكرمة لهم ، و يقول لقد حاولت جاهداً أن أرد لهم الجميل قريضاً و لكن عجزت عن البيان و سكت عني شيطان الشعر و أنا الذي لم تخذلني القوافي يوماً و كانت طوع بناني ، و لكن أقول لهم بكل فخر و إعزاز و يكفيني ما رأيته منكم من قرة للعين وطمأنينة للقلب ،و كأني به يقول و ختاماً يقول : دونكم ما تركته لكم من شعر و أدب مساهمة متواضعة مني أضعها بين أيديكم راجياً أن تكون إضافةً حقيقية للمكتبة النوبية العابرة .

و نحن نقول لك شاعرنا الكبير أنت من سجل التاريخ إسمه في سفر الخلود بمداد من ذهب فهنيئاً لنا بك .

 شرح بعض المفردات :

أندر ( anedir) – العسل .

بدِّي ( baddi) – الحَلْب .

جوّي ( jowwe) – عملية إستدرار الحليب .

جوم (jum) وبِخ – لُمْ .

شركي ( carke) الخير .

(نركي ( narki ) يقطر .

 الخاتمة :

–  أظهر شاعرنا الكبير جلال عمر قرجة وفائاً كبيراً لأحد أبنائه و الذي كان يعد من أعمدة الفن النوبي بأن رثاه بقصيدة تعتبر من عيون الشعر النوبي .

–  و يحذرنا جميعاُ من خطر داهم و مرض خطير ألم بالجسد النوبي و بدأ ينخره من الداخل متمثلاً في الخلافات التي تنشب بين الحين و الآخر بين الإخوة في البيت النوبي الواحد .

–  يوجه الشاعر عتاباً حاراً لكل المتنفذين و منظمات المجتمع المدني النوبي على تقصيرهم تجاه الحضارة النوبية و التي لا بد و أن تجد حظها من الرعاية و العناية بأن تدرس في المدارس النظامية أسوة باللغات الأُخرى .



–     تطرق شاعرنا الكبير لكل ذلك مستخدماً كعادته لغة سهلة جميلة محببة تأخذ بالألباب .

توصية :

·  ضرورة الإهتمام بالأدب النوبي بتقديمه و نشره فهو الوعاء الحاضن و المعبر على الوجدان و الوعي الجماعي للإنسان النوبي فهناك إنتاج أدبي مرموق و شعراء كبار لا يقلون عن شعراء اللغة العربية ، فقط نحتاج إلى تقديمهم و تقديم أعمالهم الجليله بصورة لائقة و ما الشاعر الكبير جلال عمر إلا نموذجاً من هؤلاء العمالقة .

اترك رد

error: Content is protected !!