
ساعات معدودات وتسقط كرة كبيرة من ناطحة سحاب بساحة التايمز اسكوبر بنيويورك عند منتصف ليل الحادي والثلاثين من ديسمبر بحضور مليون شخص ومتابعة بليون آخرين حول العالم لاحتفال ايقونى وبدء عد تنازلى اعلانا بأفول عام ٢٠٢٥ وبزوغ عام جديد بينما تكون جزرالمحيط الهادي فى كيرباتى وساموا ومناطق غرب خط التاريخ الدولي قد رأت الشمس قبلها ومثلها استراليا بالعابها النارية عند جسر ودار أوبرا سيدنى… فى افريقيا التى تفصلها اعواماً عديدة عن دول العالم المتقدمة التى ترى شمس العام الجديد بعدها او قبلها ربما يكون ترفاً فى العديد من دولها ومدنها وقراها اقامة احتفالات مماثلة أوترديد نشيد الوداع “أولد لانغ ساين ” للشاعر الأسكتلندي روبرت بيرنز لكنها تقلب صفحة العام المنصرم بأحداثه وانكساراته ومعطياته مستقبلة العام الجديد بتحدياته وتطلعاته وربما بلسان حال يردد تساؤل المتنبئ ان كان يعود بحال قد مضى ام با مر فيه تجديد…
….اذا كان مركز الانشغال في قارة افريقيا قد تمركز مع نهاية العام حول تطور مزلزل وهو اعتراف اسرائيل بصوماليلاند بكل تبعاته المحتملة فقد كان الهم الافريقى مع بداية العام ً ٢٠٢٥ هو انتخاب
قيادة جديدة للاتحاد الأفريقي للاضطلاع بأعباء و مواجهة قضايا متوارثة وأخرى حاضرة وتحديات مستقبلية حيث تصدرت اشغال قمة الاتحاد الأفريقي الثامنة والثلاثين في الخامس عشر من فبراير ٢٠٢٥ عملية انتخاب رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي خلفا للتشادى موسى فكى حيث يؤول الموقع حسب التناوب الجغرافي لإقليم شرق أفريقيا من غربها، وقد أسفرت الانتخابات عن فوز وزير خارجية جيبوتي محمود على يوسف بالمنصب بنيله ٣٣ صوتا في الجولة السابعة متغلبا على رئيس وزراء كينيا الأسبقَ رايلا أودينقا بينما كان ثالثهم وزير خارجية مدغشقر الأسبق ريشار اندرياماندراتو ، و. نالت الجزائريةًً سلمي مليكة حدادى منصب نائب رئيس متفوقة على مرشحتين مغربية ومصرية ، اما انتخابات المفوضين الستة فقد تمت بإشراف المجلس التنفيذي للاتحاد خلال يومى ١٢ و١٣ فبراير قبيل القمة وفاز فيها ممثلون من أسواتينى وجنوب أفريقيا وغانا ونيجيريا وتم ارجاء انتخاب المتبقين ، والى جانب بحث قضايا الإصلاحات المؤسسية والهيكلية وتقارير مجلس السلم والأمن الأفريقي وتطورات منطقة التجارة الحرة الافريقية كان الموضوع الأساسي المطروح امام القمة هو ” العدالة للأفارقة والمنحدرين من أصول افريقية عن طريق التعويضات “.. وقد كان الإطار المفاهيمي لهذا البند هو أن تقدم أفريقيا وتعزيز دورها عالمياً يستوجب إبتداءاًتصحيح الاخطاء التاريخية التي تضررت منها القارة الأفريقية وبناء الثقة ومعالجة الظلم التاريخى الذى أوجده الاستعمار والعبودية والتمييز المنهجى وذهنية الاستعلاء و تشمل المعالجات الى جانب الاعتراف التاريخى بالظلم التعويضات المالية واعادة الأراضي والحفاظ على الثقافة الافريقية ، وترتبط بذلك تطلعات القارة الداعية لإصلاح المنظومة الدولية و المؤسسات المالية العالمية ولم تكن هذه المطلوبات بمعزل عن الدعوات الرامية إلى وجوب ان تقوم افريقيا باداء واجباتها المتصلة بإسكات صوت البنادق وحلّ النزاعات وإيجاد حلول لمشكلة التمويل الخاص بانشطتها حتى لاتكون بذلك عرضة للاختراق والأجندات الخارجية، وتعزيز التكامل الاقتصادي والحوكمة المؤسسية ومضاعفة الجهد لتحقيق “اجندة ٢٠٦٣ ” الهادفة لجعل القارة قوة اقتصادية وسياسية كبرى ، وهى خارطة الطريق التى تواضع خبراء القارة على تصميمها عام ٢٠١٣ بمناسبة يوبيلها الذهبي والتى تم التحذير ان من مقعدات تنفيذها غياب بيئة السلام والامن على ضوء نزاعات شرق الكونغو والبحيرات العظمى وتوترات القرن الأفريقي وحالات عدم الاستقرار بمنطقة الساحل وغرب إفريقيا وشمالها واستخدام افريقيا ساحة للصراع الدولي والإقليمي وغيرها من المشكلات والأزمات..
كانت الآمال عراضا ان تعقب حقبة التحرير السياسي ونيل دول القارة لاستقلالها فترة تنهمك فيها هذه الدول لتحقيق التحرير الاقتصادي والتنمية لشعوبها فى ظل بيئة يسودها الاستقرار وتسوى فيها النزاعات ، وكانت مناسبة الاحتفال بمرور ٥٠ عاما على انشاء منظمة الوحدة الأفريقية عام ٢٠١٣ سانحة لاقرار هدف ” إسكات صوت البنادق” بحلول عام ٢٠٢٠ كأحد المشاريع المفتاحية الهادفة لتسريع عمليات النمو الاقتصادي والتنمية ضمن ١٥ مشروع فى العلوم والتكنولوجيا والبنيات التحتية والحكم الرشيد والمساءلة ومشروعات حيوية أخرى لازدهار القارة وتعزيز قدراتها وهويتها المشتركة ثم عادت القمة الأفريقية الثالثة والثلاثين باديس أبابا عام ٢٠٢٠ لتعقد ايضا تحت شعار إسكات صوت البنادق الذي تم تمديد اجل حل نزاعاته لعام ٢٠٣٠ بدلا عن ٢٠٢٠ إقرارا بصعوبة المسعى ، ووضح ذلك في تصريح رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي وقتها ” أن الوقت الذي مر منذ عام ٢٠١٣ ابان مدى تعقيد الإشكالية الأمنية في افريقيا اكثر مما اتاح تسوية النزاعات. “… وحسب احصائية للجنة الدولية للصليب الأحمر فإن هنالك ٥٠ نزاعا نشطا فى افريقيا تمثل ٤٠ بالمئة من النزاعات المسلحة في العالم بارتفاع بنسبة ٤٥ بالمئة في عدد النزاعات منذ عام ٢٠٢٠ وبحصيلة ٣٥ مليون نازح اى نصف عدد النازحين على مستوى العالم علما بان افريقيا تستأثر بما نسبته ٧٠ بالمئة من اجندة مجلس الأمن فى وقت تتراجع فيه التمويلات الدولية للمساعدات الإنسانية على النحو الذى احدثه تفكيك الرئيس ترمب لوكالة العون الامريكى ونراجع تمويل منظمة التعاون والتنمية والاتحاد الأوروبي ، ولم يكن ضعف التمويلات الانسانية والتنموية الا مشابها لغياب او لضعف التزامات تنفيذ التسويات اذ لم تكد الوفود الافريقية التى حضرت حفل البيت الأبيض بمشاركة الرئيس ترمب وقادة الكونغو الديموقراطية ورواندا فى الرابع من ديسمبر الحالي تعود إلى عواصمها حتى تبودلت من جديد الاتهامات بين كتشاسا وكيغالى بعدم الألتزام وانتهاك الاتفاق .بينما يزداد التصعيد في مالي والتوتر في منطقة الساحل والقزن الافريقى والسودان وجنوب السودان وليبيا والصومال وموزمبيق وغينيا بيساو وبنين ودخول لاعب جديد ظل ولزمان طويل بعيدا عن التوترات الاهلية وهى تنزانيا .. وغيرها…
لئن كان اداء القارة الافريقية خلال عام ٢٠٢٥ مرتبكاً ودون الطموحات لجهةحل نزاعاتها وملكية حلول مشكلاتها وتوفير التمويل الأفريقي لبرامجها ونشاطاتها ومنع استغلال ثرواتها وان لا تكون وقودا لحروب الآخرين وغير ذلك من تطلعات شعوبها فانها تستقبل العام الجديد والبيئة الدولية والاقليمية تزداد تعقيدا تستوطن اجوائها ظواهر سالبة جديدة اويعاد تحميل بعضها القديم بأكواب حديثة فظاهرة استخدام المرتزقة
تعود من جديد ومن بلاد بعيدة وقريبة للمشاركة في قتل السودانيين على النحو الذي اكدته مشاركة مرتزقة كولومبيين قامت وزارة الخزانة الأميركية على اثرها
بتوقيع عقوبات ضد افراد وجهات ضالعة ،وبعد أن كانت دبلوماسية الموانئ وصلا للمتافع بين الدول والشعوب اتخذ مسارها الان وجها ينحو باتجاه عسكرتها وتهديد سيادة دولها،وشهدالعام كذلك شروخا في بنية إلايكواس بانسحاب دول الساحل منها ، وعكست التغييرات التي حدثت في بعض أنظمة الحكم عمق مشكلاتها وأعطاب علاقات المدنيين والعسكريين فيها ، وبدلاً ان يكون الاتحاد الأفريقي في موضع من يحاور لرأب الصدع فانه قد درج هو الآخر على ابطال لغة الحوار بتبنى اسلوب تعليق نشاطات العضوية…
..يقول الروائي النيجيري شينوا أتشيبي ان ” الشيء الوحيد الذى تعلمناه من التجربة هو اننا لانتعلم شيئاً من التجربة “.. نأمل أن تكذب نخب افريقيا فى عامها الجديد هذه المقولة….






