
بقلم : السفير د. إبراهيم عوض البارودي
ضجت الأسافير والمواقع و سوح الفضاء الإلكتروني بخبر طلب دبلوماسين بسفارة السودان بإيرلندا اللجوء السياسي بهذه الدولة الغربية. وانهالت النعوت واللعنات والأحكام والظنون والتجني على كل طيف الدبلوماسية السودانية.
ولأن أهل الدبلوماسية هم نفر خفيف الكلام قليل الصدام شديد الحذر لا ينبري منهم أحد ليستل سيف الحقيقة المخبوء بين فكي الياقات البيضاء وربطات العنق الوردية التي درج بعض العامة من محبي الإثارة والنيل من الآخرين على استخدامها كرمز لوصم أهل الدبلوماسية بالبوار والعوار وهم في ذلك مثَلهم مثَل الذي قيل له ما رأيك في علم الفلسفة فقال (دا كلام فارغ ساي) وما دري المسكين أن الفلسفة هي أم العلوم وحين يمنح أحدهم درجة الدكتوراة يسمى حامل دكتوراة الفلسفة في العلم كذا ( PhD in history ) ويرمز الحرفان الأولان للفلسفة Philosophy والثالث لدرجة للدكتوراة وبعدها يأتي فرع العلوم مثل التاريخ وغيره حسب التخصص . معذرة للقارئ على هذه المقاربة لتقريب مثال الحملات الجزافية والأحكام الخرافية التي يطلقها بعض الناس من غير هدى ولا معرفة فقط بقصد الإثارة والإغارة. فالدبلوماسية هي تلك المهنة المعنية بتحقيق كل الممكن وبعض المستحيل المطلوب تحقيقه كانتقاء صدر السماء لشعبنا، كما قال سليل مدرسة الدبلوماسية السودانية الشاعر النحرير السفير محمد المكي إبراهيم رحمه الله.
الدبلوماسي هو رسول الدولة حامل آلامها وآمالها في كتاب يضعه أمام كتاب آخر لدولة التمثيل ، فيه كل فصول ومساحات التلاقي معها في سوح السياسة والاقتصاد والثقافة والأمن والسلام فيُعمل الدبلوماسي كل فكره وقدراته لإحداث أكبر قدر من جلب المصالح ودرء المكاره لبلده.
فكم من جسور امتدت بين السودان وغيره من الدول نفذ من خلالها الخير الوفير لبلادنا عبر بوابات الدبوماسية السودانية الممتدة مع شعوب ودول العالم من حولنا.
ومرة أخرى لأن الدبلوماسية لا تجيد الكلام المشاع فهي لا تُحدث عن رجال كالأسود الضارية خاضوا غمار معارك خارجية وذادوا عن حياض الوطن جنبوه شروراً كبيرة وجلبوا له منافع عظيمة لا تكاد تجد لها ذكرًا إلا في أضابير الدواوين العلوية المحجوبة أحيانا كثيرة لا لسبب سوى تقاليد موروثة وأعراف مغروسة في ذاكرة الملفات التي لا تخرج للناس حتى في يوم عيد الوطن ، ولا أجد نفسي متفقا مع هذا النهج الذي يجعل من الدبلوماسي عامل وردية ليلية لا يدرك النهار ولا تدركه الأنظار حتى بعد أن يصبح إنجازه بئرا حفرت أو قناة شقت أو جسرًا امتد أو مشفى أنشئ أو مشروعا أنبت قمحا ووعدا وتمني.
بعض أعمال الدبلوماسية تتبدى أحيانا قليلة للمتابعين الذين تجمعهم الصدف ببعض محطات العمل الخارجي البارزة فترى انبهارا ومدحًا وثناء مستحقا في حق نفر من عناصر الدبلوماسية يتجلى عطاؤهم كمثال يحتذى و تلك ظاهرة مجيدة تُسقط على الدبلوماسية بعضا من شعاع ولكنه يقينا لا يعم زوايا هذه الفئة المنتشرة كما الفراش على بقاع العالم بعضهم يأكله البعوض وبعضهم يأكل الباستا و كلهم يحرث بأرض الابتعاث حاملاً هم الوطن الكبير متأبطا صفحات من عطاء مخبوءة تحت سترته الأرجوانية وياقته البيضاء وربطة عنقه القرمزية.