أصدرت المحكمة العليا الموقرة في السودان قرارات قضائية متتالية قضت بإلغاء قرارات لجنة إزالة التمكين المحلولة التي تم بموجبها مصادرة أصول وممتلكات عدد من رجال الأعمال السودانيين. وجاء في حيثيات المحكمة العليا ان قرارات المصادرة تتعارض مع احكام الوثيقة الدستورية للفترة الانتقالية لسنة 2019 المادة 61/2 التي تقرأ (لا يجوز نزع الملكية الخاصة الا بموجب قانون وللمصلحة العامة وفي مقابل تعويض عادل وفوري ولا تصادر الأموال الخاصة الا بموجب حكم قضائي).
الأهمية الاقتصادية لقرارات المحكمة العليا، التي أعادت الحقوق لأصحابها، تنبع من أنها أكدت على حماية الاستثمار والتجارة والأنشطة الاقتصادية كافة من القرارات الإدارية الجائرة والطائشة، ويمثل هذا حماية أكيدة للاقتصاد الوطني.
عانى السودان كثيراً من القرارات الثورية غير المدروسة، ولعل التاريخ يذكر قرارات التأميم والمصادرة التي أعلنها المرحوم الرئيس نميري في بداية عهد مايو في سبعينيات القرن الماضي، والتي كان لها آثار سالبة للغاية على مناخ العمل والاستثمار والتجارة في السودان.
قبل سنتين من الآن وتحديداً بتاريخ 24 أبريل 2020 كتبت مقالاً على هذا العمود حينما كان يصدر ضمن صحيفة السوداني ذكرت فيه نصاً (لسنا بصدد الدفاع عن (الفاسدين)، ولكننا نتخوف من أن هذه الطريقة في نزع الملكية دون قرار من محكمة مختصة سوف تؤدي لإحجام الشركات والمستثمرين عن الدخول في أي اتفاقيات لتنفيذ مشروعات بنظام البوت مع حكومة السودان.
وفي نفس المقال قلت (نرجو من لجنة إزالة التمكين العدول عن مثل هذه القرارات، وأن تكتفي بحسب ما يتوفر لها من بينة مبدئية بتحويل الأمر للنيابة للتقصي والتحقيق، ومن بعد ذلك إحالة الملف للقضاء ليقول كلمته. بهذا وحده يطمئن المستثمرون ورجال الأعمال، أجانب وسودانيون). ولكن اللجنة المذكورة لم تستمع للنصح إلى أن تم تجميدها، وألغيت قراراتها بأمر القضاء العادل.
الشراكة مع القطاع الخاص المحلي والأجنبي أضحت ركيزة أساسية للتنمية في مختلف البلدان، لهذا أُسست عندنا في السودان في وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي وحدة للشراكة مع القطاع الخاص، تم إنشاءها بتوصية من المؤسسات المالية الدولية، وهدف الوحدة الأساسي هو تشجيع القطاع الخاص للدخول في مشروعات مع الحكومة، وقد سعت الوحدة ونجحت في انجاز قانون للشراكة ما بين القطاعين العام والخاص (Public sector Private sector Partnership) والوحدة تسعى الآن لتشجيع شركات القطاع الخاص المحلي والأجنبي للدخول مع الحكومة في شراكات لتنفيذ عدد من المشروعات.
معلوم أن اقتصادنا وكل الاقتصادات المتسمة بالهشاشة يحتاج لهذا النوع من الشراكات لتنفيذ المشروعات التنموية، لأن الموارد الحكومية غير كافية لإقامة أي مشروعات جديدة، وقد أكدت على هذا المنحى توجهات البنك الدولي والمؤسسات المالية الدولية، وهي التوجهات التي برزت خلال اجتماعات الربيع 2022 للبنك الدولي، والتي نأمل أن تنظر فيها حكومتنا بالجدية المطلوبة. والله الموفق.