من المهم استعراض التفاصيل والارقام واعادة تعريف بعض المفاهيم عند الحديث عن تغيير العملة أو احلال بعض العملات ، ومع أن الأمر حدث كبير ، فإن ما تم – فى رأى- أقرب الى احلال أى (تعويض العملة أو النقود التى تم سحبها من التداول لعدم صلاحيتها أو لضبط التركيبة الفئوية) ، ويمكن القول أن الاجراء تم (لتعويض العملة المنهوبة من التداول او من البنوك ، والتى تم تهريبها ، بعملة جديدة) ، والاجراء هنا تم للتعويض وللتأمين ولتحقيق التوازن فى الاقتصاد.. وهو إجراء صحيح وضروري.. مع خلافات فى وجهات النظر فى بعض الترتيبات والاعتبارات الجانبية..
ونضيف لذلك عدة اشارت مهمة:
أولا: السودان دولة ذات إرث متقدم فى تغيير العملة الوطنية ، وهى قضية سيادية ، لا ينهض بها فرد أو شخص ، وإنما تتولى مهمتها إدارة متخصصة ، فأول مطبعة لسك العملة افتتحت فى السودان عام 1961م ومطابع العملة فى العام 1992م .. ولذلك هى تخضع لاعتبارات كثيرة داخلية وخارجية.. اقتصادية وفنية وامنية..
وثانيا: هى عملية فنية واجرائية معقدة ، فوق انها عملية اقتصادية ، تتطلب الكثير من الموازنات والقراءات والتحليلات ، وسأشير لنقطة فنية كمثال ، فمثلا نسبة فئات العملات تتراوح مابين (12%) للفئة الكبيرة ، و(8%) للفئة الصغيرة ، على أن تكون الفئة المتوسطة (40%) وهى فى هذه الحالة فئة ال (100جنيه) .. فهل هذا هو ما يجرى فعليا ؟ بالطبع لا ، لأن وتيرة التضخم المتسارعة تجاوز فئة ال 100 ج و50ج و10ج ، واصبحت الفئة الاكثر تداولا هى الألف جنيه و 500 جنيه ، فهى ركيزة التداول وعمدته.. وكذلك مخزن للقيمة ، فمن اراد ايداع مبالغ مالية فى خزينته ستكون من العملة الكبيرة..
وثالثا: ان حكومة د.عبدالله حمدوك وزير ماليته د.ابراهيم بدوى وسار على ذات النهج د.جبريل ابراهيم وزير المالية ، وفى انتقال لم يكن مدروسا واستند على وعود خارجية ، اتخذوا سياسة التحرير الاقتصادي دون ضمانات ، ومع عدم وجود تمويل حقيقي فقد اختاروا طباعة كميات كبيرة من العملة ، وللاشارة فقط فان عرض النقود فى بداية العام 2019م لم يتجاوز (402000 ) مليون جنيه ، وفى العام 2020 م ارتفع إلى مليار و 302 مليون جنيه ، وفى العام 2021م ارتفع إلى 3 مليار و290 مليون جنيه ، وهذه تقارير بنك السودان المركزى ، ولذلك حدث تضخم غير مسبوق وارتفعت الأسعار بصورة جنونية ، وارتفع التضخم من رقمين (17%] إلى أكثر من (300%) واصبح السودان أحد اكثر ثلاث دول تضخما فى العالم.. وهذه اشارة لوجود سيولة كبيرة فى الاسواق..
ورابعا: فإن هذه السيولة ، وتداولها جاء خصما على الشمول المالى ، وعلى تشجيع المواطنين على الادخار وفتح حسابات وعلى التطبيقات التقنية ، وافلت الأمر كليا مع تجاهل لهذه القضايا والنقاط الجوهرية..
(2)
هل حقق احلال العملة الجديدة أو طباعتها اهدافها ؟..
سمعت لبعض الآراء الناقدة ، وبعضها مؤسس على منطق ، ولكن القول انها لم ولن تحقق تأثيرا فيه تعسف ، وأساس ذلك ومنطلقه البناء على أن تغيير العملة الهدف منه (محاربة التزييف والتزوير) ، وقد عزز ذلك إعلان بنك السودان المركزى بتركيزه على هذه النقطة ، وقد اغفل جانب مهم فى هذه العملية ، وهو سيطرة بنك السودان المركزى والبنوك العاملة على حركة النقود بعد أن حدث اخلال كبير نتيجة النهب والسلب والتهريب ، الآن الكتلة النقدية تتركز فى نقطة معينة من السودان ودول الجوار؟ ، واعلان العملة الجديدة سيؤدى إلى خروج هذه الكميات من النقود من التعامل..
وصحيح حديث تساهل ، واوله تأخير الاعلان عن ايقاف التعامل بالفئات القديمة ، وهو أمر يمكن تداركه باعلان ذلك خلال فترة قصيرة قبل اعادة المبالغ المنهوبة إلى اسواق التداول ؟ وثانيه: ربط تبديل مبالغ كبيرة بمصادر دخل واضحة ومعروفة وثالثه : ضرورة تركيز الاهتمام على تشجيع الشمول المالى والتطبيقات التقنية وسياسات الصكوك النقدية..
بالتأكيد ، فان القرار على المدى القصير قد يخلق بعض الارباك فى الاسواق ، وتعجيل التخلص من الفئات المتوفرة بشراء المحاصيل أو المنقولات ، ومع تعذر شراء العقارات فإن التركيز سينصب على العملات الأجنبية..
وعلى المدى البعيد ، فإن توفر الكتلة النقدية بيد بنك السودان المركزى ، وامكانية الطباعة ستوفر لوزارة المالية تدفق كتلة نقدية للتمويل والسيطرة على مسار السياسات..
حفظ الله البلاد والعباد..
10 نوفمبر 2024م..