الرأي

احداثيات الحرب وحيثياتها لمن القى السمع وهو شهيد ٤-١٠ – قوى الحرية ،، هل من عودة ام هي مستحيلة ؟ ١-٢

د.كرار التهامي

أتاحت (الثورة )في ديسمبر فرصة غالية للقوى المهنية والنخب السياسية ان تعود من جديد وتخطط الملعب السياسي كما ينبغي لها بعد الغياب الذي لازمها منذ اكتوبر ٦٤ حيث لمع نجمها في ذلك الوقت وسجلت حضورا قويا جعلها تحصل على التمثيل الاكبر في حكومة ثورة اكتوبر الاولى بسبعة وزراء بينما نال كل حزب من الاحزاب الكبيرة وزيراً واحداً وكان ذلك دليل غلبة القوى المهنية والطلابية ودورها في ثورة اكتوبر لكن تعرض ذلك الفعل الثوري إلى فعل مضاد أجهضه وأثر في تكوينه الجيني لأجيال قادمة .

◾️ لم تكتمل الفرحة في كل الثورات السودانية لان مشوار الانتقال كان يتعثر كل مرة والعبرة ليست في الانتقال transition ولكن في ترسيخ الديمقراطية consolidation فالانتقال اهم من الثورة والترسيخ اهم من الانتقال كانت الاحزاب تترصد اللحظة المواتية لجني الثمار لانها – اي الاحزاب- رغم سخط الشعب عليها فان نَفَسَها طويل وقدرتها على المناورة عالية بينما النخب نظرها قصير وقدرتها على الاستمرار محدودة فلقد تعودت الاحزاب ان تجعل الجماهير والنخب السياسية مطية للسلطة تتركهم يبتدرون الحراك ويفجرون الثورات ثم تركب على ظهورهم نحو القصر وتحولهم الى شعراء مراثي ومناحات (اباداماك) نموذجا.

◾️ تفسر نظرية المؤسسية التاريخية Historical Institutionalism او المؤسسية الحديثة التي يستشهد احد شراحها وهو العالم الجليل الدكتور حسن الحاج علي بأطروحة جيمس ماهوني فيما يتعلق بعلاقة النخب المستلبة بالمؤسسات الحزبية عندما يقول ” إن الخيار الذي يقرره الفاعلون في المرحلة المفصلية critical juncture يصبح جزءاً من تركيبة ونسيج تلك المؤسسات والهياكل التي تستقر لزمن طويل “
و تترسخ هذه المؤسسات حيث تشكل السلوك السياسي للفاعلين  الذين تنعدم خياراتهم في المستقبل ’’. وحتى عندما يسعى الافراد من الغالبية الراشدة لتغيير تلك المؤسسات التي صنعها ذلك المسار الماضوي العصي تتصدى النخب المستفيدة من تلك المؤسسات وتقاوم محاولات انتاج مؤسسات جديدة فيتحول الامر الى ازمة قوى متصارعة‘‘ .

◾️ لقد عجزت النخب والقوى الحديثة عن مقارعة ومصارعة الاحزاب لانها اي الاحزاب افترعت المسار التاريخي في المرحلة المفصلية وباكورة الوعي السياسي لذلك تعثرت كل محاولات تكوين احزاب خارج المسار الذي بدأ في أربعينات القرن الماضي حتى مفكر بمستوى ابو القاسم حاج حمد عجز عن ان يتقدم بحزبه خطوة واحدة رغم البراحات الفرية التي أسسها ناهيك عن مشاريع احزاب بديلة أجهضت او ولدت جهيضة واستمرت الاحزاب على جمودها تتحكم في المشهد السياسي بعد كل تغيير رغم انها هي افة الاستقرار الكبرى والسبب الرئيس لتراجع الديموقراطية ومواعينها السياسية.

◾️ يقول ماهوني ’’الصفة الملازمة  لتتبع او تبعية المسار هي انه يصبح من الصعب على الفاعلين السيطرة على خياراتهم التي يتخذونها اثناء المرحلة المفصلية ‘‘  المرحلية المفصلية هنا كانت لحظة انشطار مؤتمر الخريجين في الأربعينات إلى (فيليين) و (شوقيين) ثم احزاب ورثت تكوينا جينيا مشوها . لقد اجمع منظروا المؤسسية الحديثة على ان الموسسات التي تنتجها المراحل المفصلية تتميز بالمقاومة والثبات طويل الاجل و أن ثمن التغيير يكون باهظاً وهو في الحالة السودانية سقوط الانطمة المدنية تحت بنادق العسكر لانعدام الخيارات الأخرى لذلك  فشلت القوى الحديثة في مصارعة الاحزاب التقليدية وعجزت عن تغيير تركيبتها الباترومونيالية .

◾️ في هذا الاختلاج والمناخ السياسي المضطرب عصفت التحولات السياسية بذكرى اكتوبر واختفت صورها الثورية البراقة في السنوات الاولى فالثورة تكسب مشروعيتها النضالية من مآلاتها و قدرتها على التغيير الكلي للمجتمع عدا ذلك تكون مجرد حركة احتجاج تاريخي لقد كفر المثقفون بثورة اكتوبر قبل ان تشب عن الطوق
قال منصور خالد عنها بانها(( افتقرت الى الرؤية الاستراتيجية ومن هنا جاءت القطيعة بين الخطاب السياسي والواقع الاجتماعي ))و استكثر الدكتور حسن عابدين اطلاق مسمى الثورة عليها وقال((لم يكن لها رؤية واضحة واهداف محددةقبل قيامها ولذلك لم تفلح في احداث قطيعة مع الماضي السياسي بمكوناته الاقتصادية والاجتماعية )) كما أشار اليها النور حمد بانها ((كانت اقرب الى الفنتازيا الصفوية المستقلة من بطون الكتب وعوالم الادلجة السياسية باكثر من كونها تعبيرا عن حاجة ملحة افرزها واقع موضوعي وان صدف التاريخ هي وحدها التي انجزتها )).

◾️ تلاشت شعلة الثورة و تفرق دم النخب السياسية والمهنية بين البيوتات و الاحزاب والأنظمة العسكرية التي تنمو في هذه الأطلال والدمن السياسية و على خلفية نظرية المؤسسية التاريخية شربت القوى المهنية والحديثة المقلب في الستينات بعد ان ذهب ريحها وانكسرت شوكتها وتاهت في دروب السياسة المتعرجة وصحرائها الصيخود.

◾️ من جديد أتاح حراك الشارع في ديسمبر الفرصة للنخب السياسية والمهنيين او على الاقل الواجهات المهنية التي ركبت قطار الثورة في منتصف الطريق وتحكمت في مسارها وتسيدت مسرحها واستلمت قيادها ثم مضت بها غير عابئة عكس حركة التطور المجتمعي والديمقراطي إلى ان اصطدمت بواقع سياسي جبار فهل هذه نهاية التاريخ امام القوي السياسية النخبوية التي يرى البعض انها انتحرت على اعتاب طموحاتها العصية ونهاية تجربتها المأرومة المزدوجة باطارها الديمقراطي ومحتواها الاستبدادي ام هنالك بصيص امل في عودتها ؟؟؟……نواصل

اترك رد

error: Content is protected !!