معركة الكرامة التى تَقودها قواتنا المُسلحة بمعاونة شُرطتنا وجهاز مخابراتنا مِنْ أصعب المعارك التى واجهتها الدولة السودانية فى تأريخها الطويل .. وها هى القوات تمضى قُدُماً نحو الإنتصار الأكيد بإلتفافٍ وطنىٍّ قَلَّ نظيره لا يَضُرَّها من خَذَلها ولا يُثنيها مَنْ تَقَاعسَ أو تواطأ .. !! ولقد حَسَمَتْ ملحَمة إنتزاع الإذاعة القومية وإستردادها والتى أبكَتنَا فَرَحاً وشَرَحَتْ صُدُورَنَا حَمداً وشكراً لله وطأطأت الهامات تعظيماً وإجلالاً لله ، فما أحلَى طَعمَ النَّصرِ لِمَنْ ذَاقَ ويلات وغدر أولئك المرتزقة .. وما أعظم أن تنتصر الإرادة الوطنية الأكثر إيماناً بتحقيق النصر لإمتلاكها إيمان المؤمن ونفسية المنتصر .. فقد حَسَمَتْ خطة تحرير الإذاعة القومية مسألة النصر الشامل الذى نأمله ونرجوه بل ونراه رأى العين لأنَّ الله عَزَّ وَجَلَّ لا يُصلِح عَمَل المُفسِدين مِنْ القَتَلةِ وَمَنْ شايَعَهُم .. وكُلَّ المُرتَجَى من الحُكَّام والقوى السياسية الوطنية التى ستتشكل بُعيد إكتمال النصر بمشيئة الله ، وكل القيادات العسكرية والأمنية *الإستثمار* فى هذا الوعى المجتمعى الكبير والإعداد لمرحلة ما بعد معركة الكرامة بممارسة سياسية وأمنية واعية وناضجة وراشدة ومختلفة تماماً عنوانها أخذ العِبَر تفادياً لتكرار الأخطاء نَفسَها مِنْ الغَفلَة وعدم أخذَ الأمر بِحَقِّه حتى لاتَذهَبْ كل تلك الدماء التى سَالَتْ على أرضِ الكرامة والشرف هباءً وتضيع هدراً .. فهذا الإنسان السودانى الذى كان يتنافس مع أخيه فى قطع الطُرِق القومية فى شهر رمضان لا لينهب ولا ليعتدى على الأنفس والأعراض والأموال بل للإكرام والإفطار .. ولايحمل سلاحاً فى يده بل قدوراً ومغارف وعمائم بيضاء يُلَوِّحْ بِهَا لعابِرى السبيل ويَجُودُ بما عِندَه مِنْ قُوتْ .. !!هذا الإنسان الإستثنائى الذِّى كان يتدافع نحو المساجد لإعمارها بالتلاوة والقيام لم يَشتَكى أويَتَحسَّر على كل ما فقد من ممتلكات ، بل إحتَسَب ْالأجر عند الله وظَلّ داعماً لقواته المسلحة وأجهزته الأمنية وفَوَّضَهم للقضاء على دَابَّة الأرض التى أكَلَتْ مَنْسأته ومُدَّخَراتِه ، وإرتضى أن يكون لاجئاً ينتظر الإعَانة من المفوضية السامية لشئون اللاجئين فى بلدان ملجأه ، ونازحاً لامأوى له إلاً فصول مُتهالكة فى مدارس قديمة ، أو نادى رياضى ( غير مطبوع ) .. وقد دفع ثمن القضاء على هذه الآفة ومحوها من الحياة على أرض النيلين مقدماً .. ورغم كل ذلك الألم الذى ملأ جوانحه إلاٌ أنه ظَلَّ يتحلى بالثبات ، فما أقسى أن يعيش هذا السودانى الكريم الألم بألم ..!! ( الألم الذى أحدَثَتُه المليشيا بألم العجز عن إفطار الصائمين الذى عُرِفَ بِه ..!! ) . وفى أبهَى تجليّات الكوميديا السوداء رأينا أنصار المليشيا والداعمين لها يُقَلِّلون مِنْ هذا النّصرُ المُبين ، ويُطالِبون بِكُلِّ وقاحة من هذا الانسان السودانى الكَادِح المَعْروق التى تَجرِى فى أورِدَتِه وشرايينه دِمَاءَ العِزَّة والكرامة بعدم إظاهر آلامه وأوجاعه من خِنْجَر آل دقلو المسموم والمغروز على صدره ويَدعونه للتعايُش مع الميليشيا التى أفسَدَتْ فى البِلاد رغم كل تلك الجِراح الغائِرَة التى أحدثوها فيه ولم تَبرأ بَعد ..!! ألَمْ يعلم أولئك الحمقى أنَّ أهل السودان لايُريدون رؤية تلك الوجوه الكالحة وكَداميلَهم القذرة لا فى اليقظة ولا فى المنام لأن رؤيتهم سَتُذَكِّرُهُم بطعنة الغَدر وطَعم الخِيانة .. !! ألَمْ يقرأ أدعِيَاءِ الثقافة والفكر والتنوير الداعمين للتمرد للأديب الروسى تولوستوى ومؤلفاته العبقرية الموغلة فى الرمزية التى يقول فى إحداها : ( *عندما يؤذونَك ويخونونَك فكأنَّما قَطَعوا ذِرَاعَيكْ تَستَطيع أنْ تُسامِحَهُم إنْ أرَدْتَ ولَكِنَّك لا تَستَطيع مُعانَقتهم* ..!! ) .. ولكِنَّنَا نَقول لهم لنا فى إنسانية وبَشَريَّة سَيِّدِنا رَسولَ الله صلى الله عليه وسَلَّم أسوةً حَسَنة فحين جاءَهُ وحشِّىُّ يُريدْ أنْ يُسلِم سَأله : أنتَ وحشى ؟ قال نعم .. فقال له النبى صلى الله عليه وسلم أنتَ قتلت حمزة ؟ فقال قد كانَ الأمر ما بَلَغك ، وقد جِئتُ أشهد أن لا إله إلاّ الله وأنَّك رسولَ الله .. فقال له النبى صلى الله عليه وسلم : فهل تَستطيع أن تُغَيِّبْ وجهَكَ عَنِّى ؟ ولم يَلتقيا بعدها .. فقد كان صلى الله عليه وسلم لايَُردُّ أحَدَاً جاءه مُسلِمَاً ولو كان قَاتِل عَمَّه وقائد جيشه وسَيِّد الشُهداء فالإسلام يَجُبُّ ما قَبْلَه .. فهَلاَّ غَيَّبتُم وجوهَكم البائسة التى عليها غَبَرة عن جميع أهل السودان ..!! حفظ الله بلادنا وأهلها من كل سوء ونسأله تعالى النصر المُبين لهذا الشعب العظيم .
————————————-
الأربعاء ١٣ مارس ٢٠٢٤م