
كان ولا يزال لزاماً على كل سوداني محب لوطنه أن يفرح لتعيين رئيس وزراء ليقود الحكومة في الفترة المقبلة بطاقم كامل من الوزراء على غير ما غاب منذ ما يقارب خمس السنوات ،بيد أن الأمل وحده لا يصنع واقعاً مغايراً ،وواجب علينا تشجيع السيد رئيس الوزراء ومناصحته قبل انتقاده، فإن لم يستجيب للنصح فعلينا زيادة النفخ في صافرات الإنذار لا أن نتركه ليستبين النصح ضحى الغد لأن بلدنا وشعبنا ما عاد يحتمل مبضعاً يكون دوره إجراء عملية جراحية استكشافية لاستكمال التشخيص فما عاد في جسد الشعب موضع مبضع لتكرار الجراحات .
إن مجرد التسمية لوحدها لا تصنع للحكومة الحالية التي تأخر حملها شهور عدداً نصيباً من الأمل دون عمل ،ولطالما استدل رئيس الوزراء بعبارة حاكمة تدل على منهجيته التخطيطية (من فشل في التخطيط فقد خطط للفشل ) ؛فأول المناصحة ومن وجهة نظر (تخطيطية بحتة) ؛أن الأهداف التي طرحتها لبرنامجك مصحوبة بسياساتك المعلنة مقروءة بالمعيار الزمني للخطة ؛تشير إلى خلل في التخطيط .ولنطرح السؤال التخطيطي الأهم وبقوة : ما هو أجل هذه الحكومة وما هي أهدافها الجوهرية ؟ لأنه لا توجد خطة بلا إطار زمني لإنجازها ،ولأضيف قاعدة أخرى من عندي :(من لم ينجز الأهداف في وقتها المحدد فكأنما هو لم يحققها البتة) .هل سقف الحكومة الزمني هو سقف الفترة الانتقالية (المجددة الممددة) بتعديلات الوثيقة الدستورية ( المعدلة المبدلة)؟ أم أن لها سقفاً آخر سيتم التراضي عليه ؟
إذا كانت مدة الخطة ثلاث سنوات ونيف فكيف تحشد لها كل هذه الأهداف (ذات البعد الاستراتيجي) لإحداث تغيير إستراتيجي على كافة الأصعدة ؟
ما هي أولويات هذه الفترة في ظل المعطيات الحالية ،فمن أبجديات التشخيص الاستراتيجي الذي يسبق إعداد الخطة والتحديد الدقيق لأهدافها هو تحليل البيئتين الداخلية والخارجية وفي هذه الحالة البيئة الداخلية والبيئة الإقليمية والدولية للسودان .
فالسودان يعاني من حرب ضروس لا تزال إفرازاتها المباشرة تشريدا ولجوء ونزوحا لأبناء الوطن ماثلة ،ناهيك عن وجود مناطق لا تزال تعاني انتهاكات وحصار وترويع وهيمنة المليشيا في كردفان ودارفور ،ولا تزال القوات المسلحة والقوى المساندة والمقاومة الشعبية تخوض غمار الحرب وتقدم الشهداء والجرحى من معركة إلى أخرى .
لا يزال المواطن يعاني من وطأة التدهور الاقتصادي المريع الذي لعبت فيه المليشيا والحرب التي أشعلتها دورا مباشراً بتدمير البنى التحتية و الموارد ونهب وتدمير وتخريب الممتلكات العامة والخاصة وتعطيل عجلة الإنتاج .أو بمعنى آخر نحن لا نزال في حالة برزخية بين الحرب والسلام في مناطق وبين اللا حرب واللا سلام في مناطق أخرى .
حاشية :
الأولويات يحددها هذا الواقع الماثل ومتطلباته لا الأمنيات .
(بالعربي البسيط ) هل أولوية هذه الحكومة هي أنها حكومة حرب لاستكمال تحرير السودان من سيطرة وقهر المليشيا والتعبئة العامة وحشد وتجييش الشعب والجهود لهذه الغاية ؟ أم أن الأولوية تذهب لمجابهة الطوارئ والأزمات الناتجة عن الحرب والمصاحبة لها ومن ضمنها الأوضاع الإنسانية المتفاقمة وتنامي الفقر المدقع بعد فقدان جل الشعب كل مدخراته وموارده وسبل كسب عيشه ،بل أوضاع مواطني المدن المحاصرة في الفاشر وكادوقلي والدلنج وبابنوسة المفجعة للإنسانية ؟ هل الأولوية لحكومة طوارئ إقتصادية إلى جانب الطوارئ المذكورة بحيث تعمل على كبح التدهور المريع لسعر العملة وزيادة معدلات الإنتاج ورفع وتيرة التصدير والسعي لتقليل فجوة الإنتاج والتصدير لصالح الميزان التجاري ومحاصرة أي مؤشرات للإنهيار الاقتصادي ؟ هل الأولوية للتصدي للمؤامرات الدولية والإقليمية التي تريد تمزيق السودان وتفكيكه وتساند المليشيا في حربها على شعبه وتوظف في ذلك كافة الصعد والجبهات السياسية والدبلوماسية والثقافية والاقتصادية ؟ أم شيء من هذا وبعض من ذاك ؟ هل الأولوية لتطبيع الحياة في الولايات التي خرجت من الحرب وفي مقدمتها ولاية الخرطوم ؟
هل تلك هي الأولويات أم (المزاج الرائق )والايقاع المتباطيء الذي بدأ بالمسلسل الدرامي المكسيكي في تشكيل واستكمال حكومة الأمل وإهدار الوقت مع النرجسية في تحديد الأهداف الاستراتيجية بعيدة المنال في ظل الأوضاع الطارئة ؟
إن الواجب يحتم علينا أن ندعو إلى وضع أهداف واقعية في إطار زمني واضح ومحدد يكون إطارا للخطط التشغيلية للجهاز التنفيذي بعد أن اكتمل تعيين الوزراء .والله المستعان .