تأتى الذكرى السنوية لعيد الشُرطة السودانية هذا العام وبلادنا قد غدر بها التتار وذئاب الصحراء وغرسوا خناجرهم المسمومة وسهامهم الصدئة وأنيابهم ومخالبهم القذرة فى خاصرتها .. قتلوا أهلها ونهبوا أموالهم ومدخراتهم ، وأخرجوهم من دورهم وديارهم ليهيموا على وجوههم نزوحاً ولجوءاً ..!!
و يقينى الذِّى لا شَكَّ فيه أن هذه الحرب ستنتهى إلى خير ، ولانقول بغير ذلك فإنَّما البَلاَءُ مُوَكَّلٌ بالمنطق ، فعليكِ أيتها الشرطة المجيدة فى عيدك المجيد أن تستشعرى المزيد من المسئولية وخطورة الأمانة ، وأن تستحضري الحِسَّ الوطنى ومستقبل الأجيال ، فحطِّمى القيود وحرِّرى منسوبيك من أُسارهم وقيودهم التى وضِعوا فيها فهم أهل عِلمٍ ودُربة وبسالةٍ وتضحيةٍ وفداء إلاَّ مِنْ قِلةٍ آثروا السلامة والتولى جُبنَاً وخبالاً .. وعليك أن تضعي فى هذه الذكرى أُسساً جديدة لبناء صرح المنظومة الشُرطية الأمنية لسودان ما بعد النصر الذى نُرِيد ، وعليك يا شُرطتنا الفتيَّة بمصالحة مواطنيك الذين يبادلونك وفاءً بوفاء وإحتراماً بتقدير ، والذين آلمهم غيابك القسري أول الحرب وهم الآن أكثر إستعداداً من ذى قبل للتعاون مَعَكِ ليكونوا حُرَّاساً للأمن والعدالة وحُرَّاساً لمكاسب الدولة ونهضتها ومجدها من عبث المفسدين بعد أن عرفوا قِيمة الأمن والأمان وبعد أن غاب عن المشهد الخائن عنان .
يأيتها الشُرطة :
إن إحتفالك مع سائر أجهزة الأمن فى وطننا العربى الكبير المنكوب بيوم الشُرطة العربية يأتى إيماناً بوحدة المجتمع العربى وتقديراً للجهود التى يبذلها رجال الشرطة الساهرون على أمن أوطانهم ، والدور الذى يقومون به فى مكافحة الإنحراف والجريمة وترسيخ دعائم الأمن والسلم المجتمعى .. فعليك يا سيدتى وحتى يُصبِح عيدك عيداً للوطن أن تضعى حدَّاً وحلولاً مستقبلية
لتلك المظاهر التى لا تشبه قيمنا ولا أخلاقنا والتى صاحبت الحرب من نهبٍ وسلبٍ وتدميرٍ وحرقٍ للممتلكات الخاصة والعامة وحرقٍ للأحياء ودفنهم أحياء وكأن الجميع أصبح عدوَّا للجميع دونما مسوغ إلاَّ الحقد والحسد وحظوظ النفس ، وفقد الإنسان السودانى ( إن كان سودانياً حقَّاً ) ذاته وأصبح يتلذذ بالعنف والتدمير وإيذاء أخيه فى الوطن .. وخوفى أن تكون هنالك معارك مؤجلة بين الجميع السالب والمسلوب والناهب والمنهوب والحارق وذوو المحروق .. وعليك أن تحملي على عاتقك هذا الحِمل الثقيل قدراً مقدوراً ، وأن تعملى على ترسيخ قِيَم السلم المجتمعى لبناء مجتمع متماسك قادر على التغَّلُب على الفوضى الأمنية المُحتملة بل والراجحة حتى لا يهرول الجميع إلى سيناريو الإقتتال الذِّى سيحتكمون فيه لمنطق الغباء والمعارك الصفرية التى تكون نتائجها دوماً كارثية وعواقبها وخيمة ولا تؤدى إلاَّ إلى الخسارة الجمعية وبحاراً من الدموع وشلالات من الدماء وكثيرٍ من الأشلاء ..!! وليس هذا تشاؤماً بل قراءة متوقعة لما يمكن أن يحدث وإحتمالٌ قوىُّ الوقوع والتحقق ويستحق الحُسبان والتعقُّل بعد أن علمتنا الحرب أن ننتبه لمن يذرفون دموع الغدر ويأتوننا عِشاءً يبكون مآل البلاد ومصير العباد .. فهل ترضين يا سيدتى النبيلة أن يُغتال السلم والإستقرار المجتمعى وأنتِ تنظرين ..!!؟ فعليكِ إذن أن تضعى الكوابح لمواجهة الفوضى الأمنية المتوقعة ، والفتنة المجتمعية المحتملة بعد أن تضع الحرب أوزارها .
يأيتها الشرطة :
عليكِ أن تسألى نفسك فى يوم عيدك سؤالاً : لماذا أنتِ أكثر مؤسسات الدولة ومؤسسات إنفاذ القانون إنتقاداً من الرأى فى حالة السِلمْ ..!!؟ ولماذا كثُرَ المستهزئون والمتندرون والمستخفون بك فى أيام الحرب .. !!؟. والإجابة ببساطة أن غلطتك بلقاء كغلطة الأمير حين يُخطئ ، وأن أهل السودان جُبلوا على وضع الملامة على ظهرك ولوم الدولة فى شخصيتك الإعتبارية ويجعلون منك مشجباً يُعلقون عليه أخطاء الآخرين وخطاياهم ..!! وليس ذلك تقليلاً من شأنك بل إيماناً بِكِ وبأدوارك العظيمة ونجاحاتك وتضحياتك التى عُرِفتِ بها وكانوا يأملونها منك ، وحُقَّ لهم ذلك فقد إمتطيتى صهوة جياد الغفلة والغياب حِيناً من الدهر ، وقميصُك قُدَّ مِنْ دُبُرٍ وهم يرون أن اللصوص قد إشتدَّ عودهم وقويت شوكتهم وصارت سيوفهم أكثرُ مُضاءً ، وإستمرأوا تنغيص أمن المواطن الأعزل المسالم ، وبلغت بهم حقارة الجسارة والإستهتار بالدولة أن يأتوا بشاحناتهم لتحميل مسروقاتهم وما قاموا بنهبه ، ومن ثمَّ إتلاف وحرق ماعجزوا عن حمله وأنتِ ياسيدتى فى غيابك الطويل وفى تلاشٍ تام لدورك المأمول ..!! فإن أردتى يا سيدتى أن تُعيدى ذلك الألق والبهاء الذى عُرِفتِ به ، وإن أردتى أن تسترجعى تلك الهيبة لمنسوبيك فعليك وقبل أن تضع الحرب أوزارها بوضع خططك الأمنية النوعية القوية والمتكاملة .. المبنية على قواعد متينة من الضوابط القانونية والمهنية والأخلاقية لضرب أوكار الجريمة وكسر شوكة أولئك المجرمين الذين ألفوا سلب أموال الناس وترويعهم عند النوازل ، والقضاء على كل مظاهر الجريمة بقوة السلطة وبقوة القانون وبشرعية الواقع الجديد وبسند ومؤازرة جميع المواطنين .
يأيتها الشرطة :
الجميع يُقِّرُ له بِحُسن السيرة والمسيرة وحُسن الأداء وبأياديك البيضاء لجميع أهل السودان رغم كثرة الشانئين ، ولم يُعرف عنكِ إبتغاء عطفٍ ولا إستجداء حُبٍ فى تأريخك المجيد ، وكنتِ تجدين دوماً العدل والإنصاف من أصحاب البصر والبصيرة ممن لا يقبلون بهدم ثوابت ومقدسات المجتمع السودانى وما أكثرهم ، فما أحوجك فى عيدك المجيد إلى القبول المجتمعى ومحبة أهل السودان وكسب ثقتهم ، ولايكون ذلك إلاَّ بحُسن السلوك وحُسن الأداء .. فعليك من أجل ذلك أن تضربى بقوة كل من يتجاوز القواعد المنظمة للمجمتع حتى لا تعصف رياح الفوضى به وبقواعده .
حفظ الله بلادنا وأدامها لنا وحفظ الشرطة وجعل منسوبيها مفاتيح للخير مغاليق للشر .
الإثنين ٤ ديسمبر ٢٠٢٣م