كتب رئيس التحرير

من المتوقع أن يقدم السفير الأمريكي الجديد “جون جودفري” يوم الخميس القادم أوراق اعتماده للسيد الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة والقائد العام للقوات المسلحة السودانية، في خطوة وصفها البعض بالدخول عمليا في مرحلة تطبيع العلاقات بالكامل بين السودان والولايات المتحدة الأمريكية بعد توتر دام زهاء ثلاثة عقود من الزمان وصل في بعض الأحيان الى قطيعة كاملة واغلاق للسفارات.
تقول المصادر الدبلوماسية التي تدير هذا الملف أن الفرق الاكبر في هذا التطور ان ملف السودان ظل ولفترة طويلة يدار بالكامل من مجلس الأمن القومي الأمريكي وليس الخارجية الأمريكية باعتبار أن السودان كان ياتي في سياق المهددات الأمنية لأمريكا، ولكن بعد مرحلة طويلة من التفاوض الأمريكي السوداني بدأت في العام 2014 خرج السودان من العقوبات الأمريكية الإقتصادية في 2017 وازالت واشنطون اسمه من قائمة الإرهاب في 2021.

من المتوقع أن يكون الجزء الأهم والأكبر في ادارة هذا الملف يتم عبر السفارة الأمريكية بالخرطوم.
ويقول الخبراء الأمنيون لم يكن السودان في حقيقة الأمر مهددا للأمن القومي الأمريكي حيث أن واشنطون هي التي ابتدرت الحوار مع السودان بعد أن وصل التعاون الأمني في مكافحة الارهاب بين البلدين شوطا متقدما، ورغبت أمريكا في تصفية الملفات السياسية العالقة بين البلدين وقد اكتمل هذا الأمر تماما.
الجدير بالذكر أن آخر المواقع التي عمل فيها السفير جون جودفري كانت ادارة تنسيق مكافحة الارهاب بالخارجية الأمريكية.

يصف الخبير الاقتصادي د. عادل عبد العزيز الفكي تعيين سفير فوق العادة لواشنطن بالسودان لأول مرة منذ العام 1997 بأنه تطور لافت في مستوى العلاقات بين البلدين ويتوقع أن يكون الملف الاقتصادي من بين أهم الملفات التي يهتم بها السفير الأمريكي جوديفري ذلك لوجود سباق على الموارد الاقتصادية الكامنة التي يتمتع بها السودان ما بين الولايات المتحدة ومنافسيها الرئيسيين الصين وروسيا.
ويتوقع الكاتب الصحفي والدبلوماسي السابق في واشنطون مكي المغربي استمرار تحسن العلاقات ويوضح قائلا “سينجح الذين يراهنون على استمرار تحسن العلاقات، وسيخسر الذين يراهنون على التراجع” ويفسر مكي المغربي هذا التحول بأن أمريكا الموجودة الآن هي ليست هي أمريكا قبل عشرين سنة عندما كانت جيوشها تتحرك في العالم وتقاتل في عدة جبهات وتقتحم دولا كاملة، بينما هي الآن تناقش ما حدث لها في افغانسان، أيضا السودان الموجود الآن ليس هو السودان قبل عشرين سنة فقد انتهت تماما احتمالات ان ينفرد أي طرف بالحكم ودخل الجميع في حالة توازن الضعف، ويقول مكي “لقد ملت حتى السجون من تعاقب الخصوم المتناقضين عليها، ومع هذا للاسف توجد قوى سياسية ومنظمات في أمريكا والسودان نشأت في تلك الفترة من القطيعة بين البلدين وترغب في استمرار الظروف المفيدة لها”
وبالعودة للجانب الإقتصادي يقول الخبير الاقتصادي عادل عبد العزيز الفكي إن السفير الأمريكي الجديد سيبنى على نجاحات تحققت قبل فترة فقد أسست شركة زادنا التابعة لمنظومة الصناعات الدفاعية تعاونا فنيا وماليا مع إحدى أكبر الشركات الأمريكية في مجال الري المحوري كتقنية يمكن أن تحدث تغييرا هائلا في أساليب الري والزراعة في السودان. يقول عادل “هذا مجال سيكون بالتاكيد محل اهتمام السفير جوديفري”.
ومن المعلوم أن تقنيات الري والصمغ العربي كانت من ضمن الاستثناءات على العقوبات الأمريكية الشاملة على السودان .

وفي ذات السياق يمضي مكي المغربي قائلا لقد حسم السودان في الحكومة الانتقالية هويته الإقتصادية تماما لصالح اقتصاد السوق واقدم على جراحات عميقة ومؤلمة ولكن لا بد منها لازالة التشوهات الإقتصادية التي سببها دعم السلع الاستهلاكية بطريقة أقرب للانظمة الاشتراكية الفاشلة.
وفي تعليق حول ما يثيره ناشطون وسياسيون حول أن هنالك خلافا عميقا بين واشنطون والخرطوم حول المؤسسات التي تملكها القوات المسلحة، يقول المغربي “ليس عميقا ومن يثيرونه يرغبون في عودة التوتر الذي كانوا يعيشون عليه ولا يرغبون في حل المشكلة ولا في تطوير الإقتصاد السوداني، ويقول مكي “الحديث عن شركات الحكومة والجيش والدعم السريع لن يكون عائقا لأن السودان وبمحض ارادته يخطط الآن للاحتفاظ بالمؤسسات الاقتصادية بما لا يتعارض جوهريا مع تحرير الاقتصاد، وسيبقى على المؤسسات التي تقلل الضغط على الميزانية العامة ومنصرفات الدولة على الجيش، والتي توجد ضرورة قومية أو أمنية للاحتفاظ بها، وفي سياق هذا التحول الحقيقي سترحب الحكومة الانتقالية باستمرار المحادثات الأمريكية السودانية والتي ستكون لتاكيد هذا التطور الإقتصادي في السودان نحو الشفافية وتقليل تدخل الحكومة في الاقتصاد”.
ويضيف مكي المغربي “وجود السفير الأمريكي بالخرطوم يعني تأمين استمرار التفاهمات والاتفاقات، وبالمقابل هنالك السفير المقتدر محمد عبد الله ادريس الذي يمثل السودان في واشنطون وسيرتبط بصناع القرار والمؤسسات الدولية والنخب الامريكية هناك.” .

وتؤكد المصادر أن السفير محمد عبد الله ادريس سيغادر الى واشنطون في ذات توقيت تقديم السفير جون جودفري اوراق اعتماده في الخرطوم.

السفير عبدالمحمود عبدالحليم – إفادة شاملة

الاصل فى قوام البعثة الدبلوماسية ان يرأسها سفير وهو الوضع الطبيعى، او ان يقودها قائم بالاعمال اصيل او بالإنابة…واذا كان معلوما فى العرف الدبلوماسي ان يترأس السفير بعثة بلاده للبلد الإخر فان قيادتها على مستوى قائم بالاعمال ربما يكون لاسباب تقشف مالى اوادارى اوفى إطار تنظيم معين للموارد البشرية يرتأيه البلد المعنى…أما غياب سفير وخلو منصبه لمدة ٢٥ عاما وعودته بعد كل هذه المدة فإنه يطرح بدوره أسئلة عديدة حول الأسباب والمآلات والتوقعات.. ولانحتاج فى هذا الإطار الى الاشارة بان الأسباب كانت علل وعاهات المت بعلاقات البلدين واحتجازها بغرفة الطوارئ…ولكن ياتى السؤال بما اذا كان وصول السفير الامريكى وقيادته للبعثة كفيل لوحده بالمعالجة وشفاء العلاقات من اسقامها .. اما الإجابة فهى انه بالرغم من أن وجود السفير وقيادته للبعثة يكمل ويستوفى الشكل المراسمى والطبيعى لسفارة الولايات المتحدة الأمريكية لدى جمهورية السودان الا انه لايعنى ان العلاقات قد استوت على الجودى او انها تسير فى ذلك الطريق أو ان السفير سياتى بمافشل فيه الأوائل رغم أن وجود سفير يمكن أن يقصر طريق الوصول للأهداف المبتغاة…..اما نجاح السفير فى احراز أهداف بلاده فانه لا يعتمد فقط على امكانات السفير بل على وجود سياسة واقعية إزاء البلد المعنى قابلة للتنفيذ وكذلك على وجود تناغم بين الأجهزة المعنية ببلاده بشانها ويعتمد نجاح السفير على تقييمه الواقعى وغير الرغائبى للاوضاع في بلد التمثيل وعلى تجانس سياسات بلاده وعدم تنافرها مع سياسات أخرى ولا يمكن النظر لسياسات الولايات المتحدة بشأن السودان بمعزل عن سياساتها التى أعلنتها إدارة بايدن الديمقراطية وتتلخص تلك السياسات التى جاءت على أنقاض سياسة ترامب فى محاصرة واحتواء النفوذ الصينى واعادة تشكيل التحالفات واعادة الانخراط مع المنظمات والمؤسسات الدولية وتعزيز علائق جانبى الأطلنطي بمافى ذلك تقوية حلف شمال الأطلسي …وكانت سياسات بايدن تهدف ايضا لتفكيك التنسيق الروسي الصيني الا ان حرب أوكرانيا قالت كلمتها فى هذا الشان وقوت من تعاون موسكو وبكين ..وحتى فى مجال تحجيم دور الصين الذى كانت من تجلياته انشاء تحالف الولايات المتحدة واستراليا والمملكة المتحدة الى جانب المنبر الرباعى المماثل الذى شمل الولايات المتحدة واستراليا والهند واليابان فان ذلك قد أحدث شرخا أوروبيا تمثل فى غضب ورفض فرنسا التى اوقف ذلك التحالف مبيعات غواصات منها لأستراليا بتسعين مليار دولار امريكى وجاء ضمن المفارقات التى فاجأت حلفاء الولايات المتحدة انسحابها من أفغانستان وهزيمة حلفائها وهرب رئيسها أشرف غنى ووضح من خلال تجربة الإدارة الديمقراطية انها تبدو اقل حماسا لعسكرة القضايا وخاصة مواقع الحروب التى لا يمكن كسبها وانها سوف تتعامل مع الجهات المحلية التى تفوز او تكسب النزالات والعراكات والتنافسات الداخلية.. كما أنها ستمنح آذانا صاغية لحلفائها الاقليميين ….أوردنا تجربة الإدارة الامريكية حسب اولوياتها المعلنة لقراءة مايمكن ان يؤول إليه الحال مع السودان لنقول ان السياسة الأمريكية تجاه السودان تندرج ضمن سياستها تجاه افريقيا حيث يلاحظ أن السفير الامريكى الجديد نقل فى تغريدته عقب وصوله بالحرف مااورده الرئيس بايدن فى كلمته لزعماء القارة بمناسبة عقد القمة الافريقية الامريكيةفى ديسمبر القادم حول الانخراط مع افريقيا لتحقيق ” السلام والأمن والديمقراطية والأمن الغذائى” وأضاف اليها السفير مسألة الحرية والسلام والعدالة والانتقال وتطوير العلاقات مع الشعب السودانى رغم أن العادة قد درجت ان يقول السفراء من باب المجاملة “بلدينا وشعبينا “. ..من المؤكد أن احتواء الصين سوف يكون على رأس اولوياتها فى افريقيا وفى ذهنها تصويت نصف الدول الافريقية بعيدا عن مشروع القرار الأمريكى بالأمم المتحدة الذى يندد بالغزو الروسى لاوكرانيا وفى ذهن القارة حشف وسوء كيل ادارة ترامب التى وصفت مرة دول افريقيا بالاوكار القذرة والغى رئيسها زيارات وزرائه لأفريقيا جنوب الصحراء وترك موقع مساعد وزير الخارجية للشؤون افريقيا المهم خاليا لمايقارب العامين علاوة على بقاء ٢٠ سفارة تقريبا بدون سفير بالإضافة لمساندة ادارة ترامب لمرشح كوريا الجنوبية ضد مرشح نيجيريا وأفريقيا لمنصب المدير العام لمنظمة التجارة العالمية……ان نجاح السفير سوف يعتمد كما أسلفنا على تناسق وتوافق الأجهزة ببلاده حيث عكست التجربة بعض خلافات الرؤى بين الجهاز التشريعى ووزارة الخارجية مكتب المساعد لشؤون افريقيا ومبعوثى البيت الابيض حيث يتوقع استمرار هذه التباينات مع الاهتمام بدور الحلفاء الاقليميين حيث أوضحت تجربة حرب التقراى وحكومة اثيوبيا فى القرن الافريقى ان ظاهرة الحلفاء الاقليميين ليست وقفا على السودان حيث لعبث القيادة الكينية بدورها دورا مساندا لتسهيل الوساطة الأمريكية مع الاثيوبيين… ان خلفية السيد السفير قودفرى المتخصصة في قضايا مكافحة الإرهاب تعكس ان اهتمامات الولايات المتحدة بالسودان أمنية لحد كبير ..كما أنها تدرك التحديات الكبيرة بمايتصل بعلاقات السودان الطيبة بروسيا والصين…اذن فإن السفير لا يملك عصا موسى ..وان نجاحه فى تحقيق سياسات بلاده تعتمد على رؤى آخرين فى بلاده والإقليم…..كما ان نجاحه فى تنفيذ سياسات بلاده لا تعنى بالضرورة نجاحا سودانيا…. وعلى السفير قودفرى ان يعمل باتجاه خلق علاقات منصلحة للمصلحة المشتركة للبلدين….أما الجانب المعنى بتحقيق هذا الهدف فهو الجانب السودانى من خلال توافقه وحشد إرادته الوطنية خلف أهداف سياسة خارجية تهتدى اولا وآخرا ببسط اذرع التعاون مع الجميع تحقيقا لمصالح بلادنا وشعبنا…