الرواية الأولى

نروي لتعرف

الرأي

وداعاً أبنوسة إفريقيا ..

د/ محمد احمد ادم

إنطفأت شمعة ورحلت عزيزة بارود باكراً …

لعبت المرأة في إفريقيا أدوارآ كبيرة ومهمة في مناحي الحياة المختلفة وخاصة السياسية منها وإستطاعت أن تمتلك تراثآ عريقآ في هذا المجال بجانب مشاركتها في حركات التحرر الوطني الإفريقي وتقلدت مراكز متقدمة في العمل السياسي في حكومات البلدان الإفريقية فكانت الوزيرة والسفيرة والممثلة في المحافل الإقليمية والدولية ورئيسة الجمهورية
كما كان لها الدور الأبرز في السلطنات الإفريقية جنوب الصحراء حيث قامت بأدوار سياسية عظيمة في هذه السلطنات مكنتها من أن تصنع التاريخ والريادة في إفريقيا ..


ودعت القارة الإفريقية ودولة تشاد وسلطنة دار تاما وأسرة السلطان بارود والمجتمع التشادي إبنة إفريقيا الشابه القديرة عزيزة بارود التي رحلت في صمت الشهر المنصرم ، إحدى الشابات الرائدات في مجال العمل السياسي والدبلوماسي اللواتي لعبن أدواراً مهمة في تاريخ إفريقيا المعاصر سياسيا ودبلوماسيا واجتماعيا وتمثيل دولة تشاد في الساحات الإقليمية والدولية وتميزت بمكانة خاصة أكثر من غيرها في الساحة السياسية التشادية مشاركة في حكومة الرئيس الراحل إدريس ديبي وزيرة ثم مستشارة رئاسية ثم ممثلة لبلادها في الإتحاد الأوروبي والامم المتحدة وعملت على إبراز دور تشاد المحوري اقليميا ودوليا وإيصال صوت المرأة الإفريقية والتشادية للمحافل الدولية من أجل نيل حقوقها وضمان مشاركتها في المجالات المختلفة كما ساهمت في تقديم العديد من الخدمات للمجتمع التشادي وتبنيها للمبادرات التي أسهمت في خدمة مجتمع بلادها إضافة الى تمتعها بعلاقات واسعة داخل إفريقيا وخارجها وبصفة أخص السودان ومدينة الجنينة التي تربطها بهما علاقات أزليه وأسرية ضاربة الجذور في أعماق التاريخ ..

ولدت الراحلة السياسية والدبلوماسية التشادية عزيزة بارود في بيت السلطنة والجاه في العام 1965م والدها السلطان بارود سلطان سلطنة دارتاما ووالدتها الميرم زهرة جبريل سليمان الشهيرة بزهرة (أنديلي) إبنة جبريل انديلي أوماما أنديلي خال السلطان بحرالدين أبكر إسماعيل سلطان سلطنة دارمساليت أخت العمدة حسن جبريل سليمان عمدة مدينة الجنينة وأحد رواد الحركة الوطنية السودانية الذين مثلوا مدينة الجنينة في أول برلمان سوداني عام 1953م نائباً عن الحزب الوطني الإتحادي ومن الذين قدموا القرارات السبعة في البرلمان في يوم 19/12/1955م تمهيدا لإعلان إستقلال السودان في الأول من يناير 1956م ،،
وأخت عبدالرحمن محمد أغبش من أمه
تلقت تعليمها الجامعي بجامعة باريس دوفين بفرنسا درست الإقتصاد والتي نالت فيها درجة الماجستير في العام 1989م وولجت العمل السياسي والدبلوماسي في الساحة السياسية التشادية في حكومة الرئيس إدريس ديبي حيث عينت في العام 2003م وزيرة للصحة والتضامن الوطني حتى العام 2005م ودخلت رئاسة الجمهورية مستشارة لرئيس الجمهورية حتى العام 2008م وأعيدت وزيرة للإقتصاد والتخطيط التنموي والتعاون الدولي حتى العام 2010م وإنتقلت للعمل بالجمعية الوطنية التشادية في العام 2011م وحتى العام 2017م ومثلت تشاد سفيرة لدى كل من بلجيكا وهولندا ولوكسمبورغ بجانب تمثيلها لدى الإتحاد الأوروبي ومنظمة دول إفريقيا والكاريبي والمحيط الهاديء Acp منذ العام 2017م كذلك ترأست لجنة السفراء التابعة لمنظمة Acp في اغسطس العام 2018م إلى يناير 2019م وفي العام نفسه عينت بمرسوم رئاسي سفيرة لدولة تشاد في أروقة الأمم المتحدة كأعلى تمثيل لبلادها دوليا ..

تفردت عزيزة بارود بدورها السياسي والدبلوماسي الرائد والمؤثر داخل تشاد وخارجها وحضورها البارز في المحافل المختلفة مما جعلها تحقق نجاحآ كبيرآ لتشاد إقليميآ ودوليآ وأصبحت شخصية محورية في السياسة والدبلوماسية التشادية وإحتلت موقعآ مرموقآ في تاريخ الحركة النسوية في تشاد وكانت نموذجآ للمرأة الإفريقية المناضلةوالملهمة التي تتحدى الصعاب ومواجهة الأزمات في سبيل تحقيق الآمال والتطلعات وقامت بدور كبير وفاعل من خلال رئاستها للجنة السفراء حسمت من خلاله تجديد إتفاقية كوتونو بين دول Acp والإتحاد الأوروبي بالإضافة إلى مناشدتها لرفع تمثيل عدد النساء الدبلوماسيات الإفريقيات في الأمم المتحدة لتصل إلى 30 وذلك لتفعيل صوت المرأة الإفريقية دوليآ وقد حازت على لقب سفيرة النوايا الحسنة من مؤسسة Auxence Justinelckonga

لقد عرفتها من خلال الراحل المقيم الدكتور علي حسن تاج الدين والتي تربطها علاقة خاصة بالراحل كما تعرفت على والدتها الشهيرة بزهرة أنديلي من خلال العم طحنية ذلك الترزي الستاتي الأشهر بمدينة الجنينة نتيجة لتواجدي الدائم بدكانه شمال البوسته والذي يمثل محطة مهمة لكل مجتمع الجنينةويعد طحنية من المصادر المهمة في تاريخ الجنينة فكانت صرخة ميلاده في العام 1933م وكان رجلآ مثقفآ ومطلعآ ويحفظ الكثير من الأشعار وخاصة الشعر الجاهلي بالإضافة لحفظه معلقة عمر إبن كلثوم عن ظهر قلب ويترنم كثيرآ بهمزية الإمام البوصيري في مدح المصطفى عليه الصلاة والسلام ويعشق الإستماع للراديو وله معرفة كبيرة بأسرار آيات القرأن الكريم التي ورثها عن والده الشايب عطية الله فكانت تأتي زهرة أنديلي الى دكانه حوالى الساعة الحادية عشر صباحآ عندما تأتي في زياراتها الى الجنينة من تشاد فيقوم العم طحنية بتجهيز المكان المعد لجلوسها قبل أن تأتي وما أن نلبس قليلآ حتى تطل علينا بقامتها الطويلة وهندامها الجميل وتسلم على الجميع وتجلس في مكانها المخصص لهاوتتجاذب أطراف الحديث مابين اللهجة السودانية والتشادية ثم تنتقل الى محطتها الأخرى دكان العم بدوي أبوه بسوق العطرون ذلك الرجل الأنيق والمهذب والخلوق والصامت والذي كان أنيسه القرآن بين يديه ويعد العم بدوي أبوه من الشخصيات النادرة التي مرت على مدينة الجنينة والتي لن تتكرر فتجلس عنده لفترة من الزمن ثم تغادر وهكذا تتردد زهرة أنديلي على هذه المحطات بصورة راتبة طوال فترة تواجدها بالجنينة حتى تعود إلى تشاد

(طحنية وبدوي أبوه وزهرة انديلي أسماء في حياتنا )،،

في لحظة رحلت الأخت الكريمة والأم الرؤوم الأستاذة عزيزة بارود الى جوار رب رحيم تلك الانسانه الهادئة والمتواضعة مع كل الناس ..
غادرت هذه الفانية دون عودة حاملة معها تلك الطيبة التي كانت تتعامل بها مع عائلتها وأبناءها وكل من إرتبط بها معرفة وصداقة ..


وستظل عزيزة بارود شخصية على جدار الذاكرة وكتلتة من الطيبة والوفاء عاشت على خدمة الأخرين وحب الخير للناس ..

إن الكلمات تقف عاجزة أمام عطاؤها لأنها النبع الذي سقى جداول المحبة والأخوة ..

عزائي إلى أسرتها الصغيرة بناتها وأحفادها وأسرتها الكبيرة والممتدة داخل تشاد وخارجها ال السلطان بارود وفي كل أرجاء المعمورة كما يمتد عزائي إلى سلطنة دارتاما وال السلطان بحرالدين بدارمساليت وإلى عموم أسرة جبريل أنديلي وأسرة عبدالرحمن أغبش وكل أهل الجنينة ومعارف وأصدقاء وصديقات الراحلة ولدولة تشاد حكومة وشعبآ مواساتي الحارة في الفقد الجلل
نسأل الله عز وجل أن يشملها بوافر رحمته ورضوانه ويسكنها الفردوس الأعلى بقدر ماقدمت لوطنها وشعبها والإنسانية إنه ولي ذلك والقادر عليه ..

القاهرة
12/7/2025م

اترك رد

error: Content is protected !!