على شط النيل / مكي المغربي

هذا ما يلزم التيار الاسلامي العريض فعله دون تردد.

مكي المغربي

انحصر التفكير الاسلامي الوطني في الفترة السابقة بين مدرستين،
الأولى: العمل النوعي الخاص والعلاقات مع الفاعلين الأساسيين داخل وخارج السودان، والتضحية بالكيان الحزبي الكبير والإقرار بوجود الرموز في السجون، إلى حين استقرار سياسي عام، حتى ولو كان الحبس حيفا وظلما.
الثانية: محاولة استعادة الحزب الكبير والدولة ولا مانع من تغيير الأشخاص ولكن لا يجوز اهدار تجربة سودانية كبيرة لحزب على امتداد مليون كيلومتر مربع، في وطن هو عرضة للتدخلات العميقة لاثارة القلاقل والبلابل، واذا كانت هنالك أخطاء في تجربة الحزب الحاكم لا يعني هذا شيطنة كل التجربة تقربا لقوى داخلية وخارجية لن ترضى عنك أبدا، وستطلب منك في النهاية شيطنة ذاتك نفسها.
ميزة المدرسة الأولى أنها مؤسسة على مجموعة قيادية قليلة تستطيع أن تسايس الأمور بهدوء وحنكة وتترك لأعداء الصف الوطني الاسلامي الفضاء الأوسع دون أي مزاحمة معهم فيتخبطون فيه حتى ينكشف أمرهم وتتلاشى شعبيتهم.
ميزة المدرسة الثانية أن هنالك خصوصية للسودان بقبائله ومجموعاته والتي بينها أصلا صراعات قد تفجرها الديموقراطية المفتوحة أكثر من أن تهدئتها، ولذلك لا بد من ديموقراطية حزبية داخلية تدار داخلها كل الخلافات والصراعات ليتم تصفية العوالق والمرارات الجهوية داخل “حوش الحزب” وبعدها ما يخرج لن يكسر عظم البلد، ولذلك كانت مؤتمرات المؤتمر الوطني تشهد صراعات وخلافات وربما شجار وتمرد ويظن الكثيرون أنها ظاهرة سيئة ولكن الحقيقة المرة أن بدون ذلك تكون الصراعات أسوأ وعرضة للتوظيف الخارجي واستقطاب الأطراف لسكب الزيت على النار.
نعم صحيح كان المؤتمر الوطني فاشلا في مجال الشباب والقوى الحديثة بدليل أن الثورة عليه كان وقودها الشباب، وهنالك فشل في جوانب أخرى، ولكن إتضح بما لا يدع مجالا للشك أن صيغة الحزب الكبير الذي يمثل غالب أهل السودان مطلوبة ولا غنى عنها البتة وانها نجحت ببراعة في أن تتعايش مع تعددية ومنافسين وشركاء، وصلت ألى حيازتهم أكثر من نصف التشكيل الوزاري.
عيب المدرسة الأولى هو احتياجها المستمر لاخفاء الكثير من قواعد اللعبة والمعلومات عن القواعد والصف الثاني، لأن من يدخل في التزامات داخلية وخارجية محكمة مع مترددين وقليلي الخبرة يجب أن يراعي هذا إلى حين استكمال تجريب الآخرين وثبوت فشلهم. هنالك عيوب أخرى مثل الانكفاء على علاقات سابقة بين القيادة وتتداخل معها الجهة أو القبيلة أحيانا ولكنني لا أعتقد أن هنالك جهوية محددة كانت هي الرافعة للمدرسة الأولى، بل السبب هو خصوصيه العمل وضرورة الانسجام الداخلي الشديد.
عيب المدرسة الثانية أنها لم تحسن عرض واستعراض الضرورة الحيوية لوجودها، وعولت على أخطاء الخصم.
أيضا لم تبدي مرونة في تغيير الشكل والاسم والقالب السياسي القديم.
حاليا، يوجد تحدي كبير أمام المدرستين، لأن المرحلة السابقة كان الخلاف مبررا للغاية، وكان هنالك إقرار ضمني بتقديم المدرسة الأولى على الثانية، فقط كان الخلاف في الأمد الزمني “إلى متى؟” وليس “لماذا؟” وهنا يرى البعض أن هنالك تطويل متعمد بالتواطوء مع المكون العسكري لفرض المدرسة الأولى خيارا وحيدا بغرض الاحتكار وتصفية المدرسة الثانية، والبعض يرى – وهو الصواب – أن المدرسة الأولى نجحت في تجنيب البلاد والصف الوطني الاسلامي مخاطر كبرى وأن التحول إلى أي خيار جديد في التفكير والممارسة الحزبية ربما يكون قفزة في الظلام.
حسب تقديري، وحسب مقالين سابقين (السودان في عهد جديد) و (إسلاميون، نعم) فإن الصف الوطني الاسلامي يحتاح وبدون أي تردد إلى ظهور علني عاجل ويحتاج للتمدد في كل الفراغات والمساحات الشاسعة لأن هنالك خطر عظيم إن لم يتقدم اي تيار وطني أو فاعل سياسي داخلي أقصى ما عنده وبدون أي تخفي وتلصص أو زواج سري بين عسكر وسياسيين، هذه فترة انتهت تماما، والاستمرار فيها مثل التمادي في الركعة الزائدة في الصلاة، يبطلها، بل إذا أصر الامام وقيل له سبحان الله، ثم قيل له انك في ركعة زائدة ولم يستجب بطلت صلاته، فلو تقدم غيره يأتم الناس به ويكملون صلاتهم والا يستأنفون صلاة جديدة، أو يسلم كل مأموم على حدة ويسجد للسهو باعتباره إمام نفسه.
الواقع وقراءة التاريخ تؤكد أن ما بعد حرب الخرطوم لن يكون مثل قبلها بأي حال، لذلك أي محاولة لاستلاف صفقات وتفاهمات واتفاقيات ووثائق وجلسات مغلقة من المرحلة السابقة لن يجدي.
إن بيوت الأثرياء الذين كان يجمعون السياسيين والدبلوماسيين الأجانب والوسطاء والعملاء .. الآن تتعفن وتتحلل فيها الجثث.
أيضا، لن يكون مقبولا البتة أن يخرج شاب من بيته ويودع أمه واخته وخطيبته ليذهب للقتال وهنالك شخص خفي لا يعرفه هو من يدير له الأمور ويبرم له اتفاقات أو هناك ثلة من الناس تصنع القرار وترتب الخطوات، أو هنالك مجموعة في القاهرة والتي وإن كنا مغبوطين جدا لدورها لإنقاذ السودان ولكن ظهور طبقة جديدة حاكمة سياسية وإعلامية وديبلوماسية هنالك أمر مرفوض ولن يمر على القواعد التي تزأر بحب الوطن حاليا.
المصريون انفسهم لو جرى لهم مثلما جرى لنا (لا قدر الله) لن يتسكعوا في شقق مفروشة خارج بلادهم لادارتها من المطاعم والكافيهات من على البعد طالما هنالك بقاع آمنة ومطمئنة وشبابها يخرجون للتسجيل في الدفاع عن سيادة البلاد وشرفها وعزها، ورجالها يخرجون فينحرون الإبل أمام قيادات المناطق والوحدات العسكرية.
يحتاج التيار الوطني الاسلامي في السودان أن يكون أكثر فحولة وجسارة من هذا الوضع الغامض البئيس المشبوه وأن يتقدم الشعب وبقية الأحزاب والكيانات بخطوة وإلا فلن يكون جديرا بما كان جديرا له (وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم).
وعلى المدرستين .. فورا ودون أي تلكؤ .. توحيد التفكير والخطاب والقيادة والخروج العلن.
كلاهما فيما سبق على خير، ولكن ذاك عهد قد انتهى.

في الحلقة القادمة نقدم شرحا أوفى بإذن الله.

اترك رد

error: Content is protected !!