✍️ د. إدريس عبدالله ليمان
المتتبع للشأن العام فى بلادنا خلال الفترة الأخيرة يجد أن الأسافير كأنها وقد أصبحت ساحةً للنزال تُستخدم فيها أسلحة التشويه بين منشورٍ يدعوا للعنف القبلى ، وآخر يُحرِّض على شتم الآخر ، ومنشورات تنتهك الأعراض وتُشيعَ الفاحشة فى الذين آمنوا حتى صار ( أمرهم فوضى بينهم ) أو كاد ، حيث طغت الأنانية على سلوكهم .. فقد منحت منصَّات التواصل الإجتماعى حق التعبير الحُر للكافة ، فأضحت الكلمة مُبتَذلة لدى فئامٌ من الناس تِعبِّر عن أصحابها وعن أفكارهم المتخلفة ، وتجردت من أناقتها وحشمتها المعهودة والتى عُرِف بها أهل السودان ( فكلامهم أنغام ) ، وساد منطق العوام على حساب منطق أهل العلم والحكمة ، ولم تكن الشرطة فى معزل عمَّا يدور فى الساحة فهى سهمٌ نافذٌ فى كِنانة الأمن العام والإستقرار المجتمعى إلاَّ أنَّ سِهام التخذيل والتخوين قد إنتاشتها حتى كادت أن تُقطِّع أوصالها .. ليس من العامة فحسب بل وحتى من ( رفقاء الطريق ) بلغة أهل المرور .
وعلى الرغم من تماسك وقوة منظومتنا الشُرَطية والتى جعلتها عصيِّة على كل محاولات دُعاة الفتنة من أدِّلاء قوافل الفوضى الخلاقة إلاَّ أنَّ الواجب الوطنى يُملى على الطبقة المستنيرة والنُخبْ المثقفة ( وما أكثرهم ) أن تعمل بكل قدراتها وطاقاتها الفكرية من أجل السلم المجتمعى ، والاَّ تترك الساحة لمروجى الإشاعات ومرتادي الأسافير والمتسكعين فى ردهاتها حتى لايتم توجيه الرأى العام من قِبَلْ أشخاصٍ ليسوا من أهل الحل والعقد ممن يصنعون الأزمات ويعمقونها بما يتعارض ومصلحة المجتمع .
ولمَّا كانت الشرطة تَنشُدُ إستقرار الوطن وضمان أمنه وسلامته وتنميته ، ووسيلتها فى ذلك وغايتها هو المواطن الذى إئتمنها بموجب العقد الإجتماعى بينهما على نفسه وماله وعرضه ، لابُد
لها من ( التطبيع ) معه .. فلئن كان التطبيع مصطلحاً سياسياً مدلوله ( جعل العلاقات طبيعية ) بعد فترةٍ من التوتر والقطيعة فإن الشرطة أحوج ماتكون إليه فى ظل الأجواء الحالية بالبلاد من مشكلاتٍ سياسية وظروفٍ إقتصادية طاحنة وصراعاتٍ قبلية فى كثيرٍ من مناطق السودان رغم ( المدنية ) التى لم يُحسِنْ إليها أحد ، ولم يُحسن أحدٌ إستغلالها ، ليكون تطبيعاً أمنياً ومجتمعياً ووطنياً شاملاً يتجاوز محل التعارض والتجافى إلى الإتفاق والتلاقي ، إيماناً منها بأنها مسئولية أخلاقية تجاه الوطن والمواطن تُعينْ الدولة بكل مؤسساتها لمواجهة أية محاولات لإحداث ندوب ونتوءات فى المنظومة الإجتماعية لأهل السودان والتى ظلَّت لعقود طويلة حاضنة للتعايش السلمى ومزرعةً للقيم والمبادئ الفاضلة .
فعلى الدولة أن تتبنى هذا ( التطبيع ) الأمنى المجتمعى الذى تأمله الشرطة وتدعوا إليه وتسعى لترسيخه .. فالإنتماء الوطنى لايعنى حمل الرقم الوطنى وترديد النشيد الوطنى ( نحن جند الله جند الوطن ) .. بل هو إنتماء عميق ومتجذر للأرض ، وشعورٌ عميق تجاه أهلها وقاطنيها ، يستمد عاطفته من أواصر الدين والقُربى ، ويستمد عقلانيته من وحدة المصير فى وطنٍ ليس لنا سواه .
ومن أجل ذلك نقول نعم ( للتطبيع ) المجتمعى الشامل فالكلمة الطيبة كالشجرة الطيبة أصلها ثابت وفرعها فى السماء تؤتى أُكلها كل حين بإذن ربها .