
الرواية الأولى – نقلاً عن معهد الدراسات الأمنية (ISS Africa)
أعاد تمرد مليشيا الدعم السريع في السودان منذ أبريل 2023، ومواجهة القوات المسلحة السودانية لهذا التمرد تنشيط شبكات التهريب والجريمة المنظمة على الحدود الغربية، وعلى رأسها تجارة السيارات المسروقة التي تتدفق مجددًا إلى داخل الأراضي التشادية، في مشهد يذكّر بسنوات الفوضى الأمنية في الإقليم مطلع الألفية.
ووفقًا لتقرير صادر عن معهد الدراسات الأمنية الإفريقي (ISS Africa)، فقد أدى النهب الواسع الذي رافق اندلاع الحرب إلى موجة غير مسبوقة من السرقات، شملت الممتلكات والمحال التجارية والمنازل والسيارات في العاصمة الخرطوم ومدينة ود مدني ومناطق أخرى، قُدّرت قيمتها الإجمالية بنحو 40 مليار دولار أمريكي خلال الأشهر الثلاثة الأولى من الحرب.
ويشير التقرير إلى أن قوات الدعم السريع لعبت دورًا محوريًا في عمليات النهب، خاصة بعد سيطرتها على أحياء سكنية ومناطق اقتصادية، حيث جرى نقل أعداد كبيرة من السيارات المسروقة إلى الحدود مع تشاد عبر طرق صحراوية غير خاضعة للرقابة، قبل بيعها داخل السوق التشادي بأسعار زهيدة.

وتؤكد مصادر أمنية تشادية، وفقًا للتقرير، أن الحدود الطويلة والمفتوحة وضعف إمكانيات أجهزة إنفاذ القانون مكّنت المهربين من إقامة “اقتصاد إجرامي متنامٍ”، يعتمد على إعادة بيع السيارات السودانية المسروقة بعد تغيير ملامحها أو تزوير لوحاتها، وغالبًا ما تُعبر القوافل الحدودية ليلاً لتجنّب نقاط التفتيش.
ويُحذر التقرير من أن هذه التجارة غير المشروعة لا تقتصر على كونها نشاطًا اقتصادياً إجراميًا فحسب، بل إنها تُفاقم حالة انعدام الأمن في الإقليم، إذ ترتبط بعمليات عنف تستهدف المدنيين بغرض الاستيلاء على سياراتهم وممتلكاتهم. كما تخلق هذه الظاهرة مشاعر استياء بين اللاجئين السودانيين المقيمين في تشاد، الذين يرون أن معاناة بلادهم أصبحت مصدر مكاسب لبعض التجار المحليين.
التقرير أشار كذلك إلى أن تجارة السيارات المنهوبة عبر الحدود ليست جديدة، إذ كانت دارفور في العقد الماضي مركزًا لنقل السيارات المسروقة من ليبيا وجمهورية إفريقيا الوسطى إلى داخل السودان، قبل أن تنتقل إلى دول الجوار. ومع اندلاع الحرب الحالية، عادت هذه الشبكات للنشاط بوتيرة أكبر وبغطاء مسلح من عناصر الدعم السريع.
ودعا معهد الدراسات الأمنية الحكومة التشادية إلى اتخاذ إجراءات مماثلة لتلك التي اتبعتها دولة جنوب السودان عقب اندلاع الصراع في السودان، حيث تعاونت جوبا مع السلطات السودانية لتتبع السيارات المسروقة واستعادتها عبر تبادل السجلات الإلكترونية وتحذير المواطنين من شراء سيارات مجهولة المصدر، إضافة إلى حظر تسجيل أي سيارة سودانية بلا أوراق رسمية.
وختم التقرير بالتأكيد على أن التعاون الإقليمي وتبادل المعلومات الأمنية بين السودان وتشاد يمثلان السبيل الأنجع لوقف تدفق السيارات المنهوبة وكبح الجريمة العابرة للحدود، محذرًا من أن استمرار هذا النمط من النشاط الإجرامي سيؤدي إلى مزيد من زعزعة الاستقرار في المنطقة التي تعاني أصلًا من هشاشة أمنية واقتصادية عميقة.
المصدر:
Institute for Security Studies (ISS Africa) – تقرير بعنوان: “Sudan’s Civil War reignites the illicit car trade into Chad”، الصادر في أكتوبر 2025.