الرواية الأولى

نروي لتعرف

رؤى وأفكار / د.إبراهيم الصديق

معادلة الهدنة..

د. إبراهيم الصديق علي

(1)
لماذا تكاثفت الدعوة للهدنة والممرات الانسانية بعد أن سقطت الفاشر وقتل اهلها في أكبر مجزرة بشرية في العصر الحديث ؟..
سؤال مهم ، والاجابة عليه تفسر المواقف وردة الفعل..
دون شك فإن الدعوات الكثيفة للهدنة والضغوط المتعاظمة هى جزء من معارك كثيرة في السودان وعلى مستوى الاقليم والعالم ،
ومع انه أمر مرحب به ، ويتم تسويقه في قالب إنساني ، فإن ثمة ظروف محيطة تؤثر فيه وتبعث على الريبة والتوجس:
وأولها: تزامن هذه الضغوط مع زخم دعاية مليشيا آل دقلو الارهابية بعد سقوط الفاشر ودخولهم إلى منطقة بارا ، ومع أن لكل منطقة حساباتها ، فإن مؤشرات الميدان لها دلالات وإن كانت زائفة ، ويتم استخدامها وتوظيفها لأكثر من غاية ومنها اثبات وجود مليشيا آل دقلو الارهابية ومرتزقتها في المعادلة وصعوبة ابعادهم عن المشهد السياسي والعسكري..
ومنها الضغط على الحكومة وابتزاز المجتمع من خلال الترويع والتصفيات الفظيعة والقتل ، وفي ظني أن تفاخر المليشيا المجرمة بجرائمها وانتهاكاتها هو طرف من مخطط اثارة الهلع وبث الاحباط ، ولذلك تتقاعس عن محاسبة فاعليها ، وهو أمر سائد وخلال سنتين ارتكبت المليشيا أكثر من 107 مجزرة ، أغلبها مرتبط ومتزامن مع تحركات سياسية خارجية أو دعوات نشطاء ووساطة ، ويمكن مراجعة كل انتهاكات المليشيا البربرية المتوحشة للدماء ، ولم يحدث أن تم محاسبة أحد قادتها على جرائمه مما يؤكد أنها عمل مقصود وبإتفاق مع قيادة المليشيا المتمردة وبإرادتها..
وثالثها: صرف الانظار عن جرائم وانتهاكات الفاشر وتأثيراتها وانعكاساتها خارجياً ، وخاصة زعزعة صورة دولة الإمارات العربية المتحدة في العالم وكشف مؤامراتها ضد بلادنا وشعبنا ومواردنا وتنامي الوعي العالمي وزيادة التعاطف مع القضية السودانية..
هذه المؤثرات كانت حاضرة في ذهن المتآمرين ، وتم توظيف نقاط الهشاشة في ادارتها ، واولها التدخل السافر في الشأن السوداني ، وثانيها كثرة النشطاء المراهنين على الخارج ، من عملاء وخونة.. ما أكثر بؤسهم..
(2)
خلاصة اجتماع مجلس الأمن والدفاع مساء الأثنين (4 نوفمبر) ، تعامل بواقعية مع هذه القضية من خلال عدة نقاط..
اولاً: رحب بالمبادرات المطروحة دون الدخول في تفاصيل كثيرة ، وكل مبادرة تحقق الارادة الوطنية مرحب بها ، وللتذكير فإن الاشتراطات الوطنية هي (وحدة السودان ارضه وشعبه وموارده وارادته ، خياره المستقل في تحديد مستقبله ، رفضه للخضوع والاملاءات والتدخلات الأجنبية ، ولا امكانية التعايش مع القتلة والمجرمين )..
وثانياً: مضى في خياره بالتعبئة والاستنفار ، وهذا تأكيد على الإلتفاف الشعبي والوطنى وثقة القيادة السياسية والعسكرية في مواطنيها.. و ادراك للمخاطر التى تحيط بالبلاد والعباد وحجم الاستهداف لمقدرات امتنا ، ويتسق ذلك مع دعوة رئيس الوزراء دكتور كامل ادريس تعبئة كل الطاقات لتحرير الأرض والعرض..
وثالثها: عزز اهتمامه بقضايا المسارات الانسانية ومن غرائب المواقف ، أن القوى الغربية وبعض القوى الاقليمية تتحدث عن الشأن الانساني بينما يتزايد نشاط عملائهم في التضييق على الناس وحصار المدن كما نتابع الآن من انشطة المليشيا المجرمة ومحاولاتها محاصرة مدينة الأبيض وزيادة الضغط على مدينة كادوقلي ، هذا يعزز فرضية اشارتنا إلى أن الحديث عن الشأن الانساني لا يخلو من غرض ، ولهذا من الجيد أن الحكومة شكلت لجنة لذلك..
(3)
هذه ثاني مرة يتم فيها الإشارة للتعبئة والنفير منذ بداية الحرب في ابريل 2023م ، وهذا الموقف له دلالات مهمة ، واكثرها بروزاً طمأنينة القيادة السياسية والعسكرية إلى خياراتها ، وخلع عباءة المواربة والمضي قدماً ، لقد خلق الرأى العام الشعبي والوطنى ارضية وسند للقائمين على الأمر ، وهذا أمر ضروري وينبغي أن يتطور في تشكيلات داخلية اكبر واكثر فاعلية ومن خلال ضغط أكثر خارجي وانفتاح على العالم ، وقد لاحظنا دوراً متعاظماً للسفارات السودانية وللبعثات الدبلوماسية وللجاليات والروابط ، وهذا مدخل مهم وفعال..
وثانياً: تعاظم الوعى العام بالمخططات المريبة مما يستدعى عزل وابعاد هذه التوجهات ، فهذه قضية وجودية لا يمكن التسامح فيها ، فإما أن تكون وطنياً أو عميلاً ، ومن اختار التستر خلف العبارات الفضفاضة والاكاذيب المفضوحة فإن نهايته الخيبة والخسران..
هذه معركة وطنية ، لا تدار بأنصاف المواقف أو التكتيكات قصيرة المدى ، بل بالنظرة الاستراتيجية والأداء الملحمي.. فأنصبوا..
حيا الله الوطن واهله
حفظ الله البلاد والعباد

اترك رد

error: Content is protected !!