من محفوظاتى التى ظلَّتْ محفورة فى الذاكرة منذ المرحلة الإبتدائية حينما كان المعلمون يعيشون مع طلاَّبِهم لحظات التَعلُّم التى ارتبطت لدى الأجيال بالمُتعة والشَغَف ، وليس كما هو الحال لطلاب اليوم الذين ارتبطت العملية التعليمية لديهم بتحصيل الدرجات والضغط النفسى فضلاً الإرهاق المادى والبدنى والمعنوي لأولياء أمورهم .. قصيدة صرخة لاجئ للشاعر هارون هاشم الرشيد التى يقول فى مطلعها وهو يصف بؤس الحياة فى مخيمات اللجوء ويتوق للعودة إلى دياره وموطنه : ( أنا لن أعيش مشرداً أنا لن أظلَّ مقيداً ) إلى أن يختمها بقوله : ( لى موعدٌ فى موطنى هيهات أنسى الموعدا ) .. وبدورى لن أنسى نبرة أستاذنا وهو يُلقى على مسامعنا تلك القصيدة بصوتٍ قوى ملؤه العزة والإيمان بعدالة القضية .. وتذكرت ذلك وأنا أطالع بحكم الإهتمام والدراسة تقريراً عن إحدى أهم القضايا الإنسانية إلحاحاً ، ومن أكبر التحديَّات التى يواجهها المجتمع الدولى وتواجهها المجتمعات المحلية على السواء هى قضايا اللاجئين والنازحين ( أسوأ مخازى السلوك الإنسانى على امتداد التأريخ ) ، فمخيمات اللاجئين فى مختلف المناطق فى العالم تَختِمُ بِخَاتَمِ العار على جبين المجتمع الدولى ، ومخيمات النازحين فى ربوع دارفور والتى قامت لضَعفٍ فى الدِّين وغيابٍ للضمير تشكو بثَّها وحُزنها إلى الله ، فلو كان هنالك عقلٌ يزجر ودِينٌ يمنع وسلطانٌ يردع لمًا كان الذى كان ..!!
ومن المؤلم حقاً أن نجد هذه المعسكرات بعد أن حلَّ السلام ، فلئن كان لقيامها والنزوح إليها أسباباً حقيقية وموضوعية حينذاك من إضطهادٍ وإعتداءاتٍ وإنتهاكاتٍ لحقوق الإنسان أفضت لآثار إجتماعية وإقتصادية وأمنية سالبة ، وتأثيرٌ على الصِحة والتعليم .. إلاَّ أن كل ذلك قد إنتهى بتحقيق السلام والتوافق بين الفرقاء المتشاكسون ، ولم يبقى إلاّ رسمها الذى سيندثر بدوره وستزول كل المرارات بإذن الله ، فليت سكان المعسكرات يعودون إلى قراهم ومناطق زراعتهم وإنتاجهم ، فإنسان دارفور أرقى وأنقى وأعز وأكرم من أن يتلقى المعونات والإغاثات فى أرضه التى تتقلب فى نِعَم الله الظاهرة والباطنة وتجرى من تحتها الأنهار ، فحيثما تولى وجهكَ فثمة وديانٌ ممتلئة بالمياه ، وقطعانٌ ممتلئة الضُروع ، وطبيعة ساحرة وأرضٌ بِكر تتوق لِمَنْ يَفِضُّ بَكَارتِها ويذوق عُسيلتِها ..!!
إنها دعوةٌ للسلام فى يوم السلام العالمى ، وأن نعمل على وقف نشر الكراهية والتحريض على العنف والإيذاء ، وأن نُزيل الغشاوة التى أفقدتنا البصر والبصيرة وذلك بترسيخ مبادئ السلام النفسى بتقبل الآخر مهما إختلفت الطِباع والأفكار والإثنيَّات ، فإن أسمى ما تطلبه النفس البشرية السوية هو الشعور بالأمن والقبول ممن حولها وأن تكون هى مبعث السلام لمن حولها ..!!
إنها دعوة صادقة للجميع أن إفشوا السلام بينكم حتى تتنزل عليكم المحبة ، ففيه أمنٌ للنفوس وأدبٌ راقٍ وذوقٌ عالٍ ، وهو تحيَّةٌ لأمتنا وأماناً لأهل ذمتنا كما ورد فى الأثر .. وأنشروا قيم العدل بينكم وقيم الأمان حتى تغنموا مجتمعاً ينعم بالسلام .. ( وأسالمك وينشرح قلبى الأصلوا حبَّاكا ) .. والسلام .
د . إدريس ليمان
الأحد ١٨ سبتمبر ٢٠٢٢م