
يقول ونستون تشرشل فى مذكراته : ( بأنَّنى منعتُ إستخدام السيارات الخاصة للتنقل داخل المدن خلال الحرب العالمية الثانية عندما كُنتُ رئيساً للحكومة وذلك للحد من إستهلاك البنزين .. وفى يوم من الأيام كُنتُ على موعد مع الحديقة الكبرى لإلقاء خطابٍ مهم للشعب البريطانى ، فخرجتُ من منزلى وأوقفتُ سيارة أجرة ولمَّا تحرك السائق تذكرتُ أننى نسيتُ الخطاب فى البيت فقلتُ للسائق لطفاً هل من الممكن تعود بى إلى البيت حتى آخذُ شيئاً مهماً نسيته هناك ..!!؟ فأجاب بالرفض قائلاً آسفٌ يا سيدى فهناك خطابٌ مهم للسيد تشرشل أود الإستماع إليه ..!! وهو حينها لم يتعرف علىّ .. فقلتُ له لن أتأخر أعدك بذلك .. فقال السائق عفواً سيدى يهمنى أن أستمع لرئيس الوزراء .. !! فأخرجتُ إليه ورقة من فئة الخمسون جنيهاً وأعطيتها إياه ، وعندما رأى كرم العطاء قال لى سوف أعود بك وأنتظرك وليذهب تشرشل إلى الجحيم .. !!)
الناظر إلى المشهد العام فى بلادنا يجده وكأنه قد أصبح ساحةً للنزال المفتوح بإعتبار جسامة ما سيترتب على ذلك فى قابل الأيام ، فالسياسة لا يُعرف عنها الإيثار وتُعتبر ساحة ممتدة للصراع .. !! والسؤال المهم هو مالذى ينبغى فعله لإنقاذ سفينة الوطن .. !!؟ فالذى يخشاه المشفقون هو أن تنغلق الأمور بعد إنتهاء الحرب وإندحار المليشيا المجرمة والقضاء عليها لتعود البلاد إلى المربع الأول وإلى ما كانت عليه لأن الإستقرار السياسى والمجتمعى والأمنى المأمول ربما تَكشِفُ لنا الأيام بأنه يحتاج إلى ثقافة ورؤية بعيدة المدى تتجاوز رؤية ساستنا ، وشارع أكثر وعياً وحراكاً مجتمعياً وشعبياً يستند إلى إرادة أكثر رسوخاً مما هى عليه الآن ..!! فحل الأزمة المحتملة والتى تلوح بارقتها يحتاج لمن يستخلصها من الواقع الجديد الذى أفرزته حرب الكرامة ..!! لا إعتماداً على تزييف الواقع بالوعود السراب .. فالذى يتراءى لنا فى المشهد أن هنالك فسطاطان الأول بارعٌ فى الهدم ونسج الأوهام وعاجزٌ عن صناعة الأحلام وإنتاج الأفكار ، والآخر بارعٌ فى العزف على وتر الأمل والتفاؤل والرجاء دون العمل والخطوات الجادَّة ..!! فهى ياترى أهل الحكم فى بلادنا سيفعلون ما يفعله أهل البادية عندما تُظلم الآفاق لديهم وتتكاثف السُحبُ من حولهم وتَهُبُّ العواصف ويُجلجِل الرعدُ ويَخفِق البَرقُ فيلتزمون الحذر والتروى فى وجه الأنواء ويعملون على تقوية الأوتاد وشدّ الحبال ..!!؟ أم يعملوا أضان الحامل طرشا كأنهم لايرون المُزن الكثيفة التى تغطى سماء البلاد ..!! ولايرون شَقَّ البرق ولا يسمعون دوّى الرعد من حولهم ..!!؟
هذا فيما يتعلق بالشأن العام .. أمَّا ما يتعلق بصاحبنا الذى لا تنقضى بوائقه فإن ما قام به أثناء ولايته على تلك المؤسسة العظيمة لايزال أثره السئ باقياً فيها إلى يومنا هذا ولعله يضعه فى مصاف من نزل فى حقهم قول الله تعالى : ( وكان فى المدينة تسعةُ رهطٍ يُفسدون فى الأرض ولا يُصلحون ) .. ويقينى التام أنه ليس له ضمير ليُعنفه ويقول له : كم كُنتَ وصولياً وكم كُنتَ جباناً وكم كُنتَ إنتهازياً ..!! لِتَحصُلَ على أشياء لم تستحقها يوماً ولم تكن لك أصلاً ..!! نعم لقد كَان إمَّا فاسداً أو متواطئاً أو رعديداً جباناً أو كُلَّ ذلك ..!! فلم نسمع منه توبةً ولم نَرَ من نَدمَاً على ما فعل .. !! ومن سخرية الأقدار أن هنالك من أهدى إليه من المنتفعين منه لوحةً جميلة آملين أن تكون عزاءً لهم فيه رغم تيقنهم بأنه لم يكُنْ مؤمناً ولا رجُلاَ ولا صادقاً ولا مؤتمناً ..!! وأنَّه بدَّلَ تبديلاً وأفسدَ إفساداً .. وما أهدوه ما أهدوا إلاَّ ليُعلِّقها على جدران بيته الذى هو أوهن من بيت العنكبوت ليزوره ماضيه البغيض حيثما كان وأينما حَلَّ وليذكِّره بما فعل ..!!
نسأل الله أن ينصر قواتنا المسلحة الباسلة وأجهزتنا الأمنية الفتيَّة وجميع المقاتلين فى ميدان الشرف والكرامة ، وأن يُقيِّض لبلادنا من ينتبه للمخاطر التى تُحدِقُ بها ويضع أُصبعه على مواضع الوجع ومراكز الخلل والقصور ويُحارب اليأس ويقاوم الإحباط الذى أُجبِرَ هذا الإنسان السودانى المسالم على أخذ جُرعاته صباحاً ومساءًا ، وليزرع الأمل ويستثمر فى الأجيال ويُخرج خيرات هذه الأرض المباركة .. أو فليذهب تشرشل إلى الجحيم وليأخذ معه صاحبنا هذا الذى يتوارى من سوء ما فعل ..!!
حفظ الله بلادنا وأهلها من كل سوء .
✍🏼 لواء شرطة (م) :
د . إدريس عبدالله ليمان
السبت ١٩ أبريل ٢٠٢٥م