روبرت مينينديز
مكي المغربي
مما تعلمته في أمريكا أنه لا يوجد شيء يحدث فيها والا غالبا (وأقول غالبا وليس كل شيء) وراءه فاعل ومستفيد ومحرض.
تعقيدات السياسة الأمريكية تجعلها مثل طبق الإسباجبتي ما أن تجر طرفا منه إلا وتجد بقية الطبق يفور أمامك، ولذلك الإقدام على المواصلة في المراحل الأولية لأي قضية وهي التربص والترصد وجمع الأدلة لا يحدث إلا بفعل فاعل، وفي هذه الحالة (فضيحة سيناتور) هو فاعل قوي ومؤثر، ولديه القدرة على الاستمرار.
أنا صاحب عبارة: أمريكا دولة (إخراج مؤسسي وتفصيل قانوني) من الدرجة الأولى، وليست (دولة قانون ومؤسسات) بالمعنى الأكاديمي النظري غير الواقعي.
هنالك خارطة تحالفات وتقاطعات سياسية دقيقة، وقواعد لعبة محكمة وتخصصات “مفروزة”، لو فهمتها تستطيع أن تجعل الحلال حراما، والديك حمارا، وبياض العين أحمر، وبالقانون والمؤسسات. عدا ذلك، ستكون انت الخاسر في “سيستم” يقتات على الضحايا ويتقوى بلحمها وعصبها، ولا يحمي المغفلين والكسالى وحسني النوايا.
من وراء فضيحة السيناتور؟ وهل من الممكن أن يخرج منها؟
الاحتمال الأول: الصراع الداخلي الأمريكي وبالذات قبل السباق الانتخابي والقضايا المتفجرة، وهنالك محاور عديدة للصراع وأقواها هي اليمين الأقصى واليمين المحافظ وكلاهما لديهم أموال ضخمة وأجندة سياسية واجتماعية متماسكة ومن الطبيعي أن يستهدفوا خصومهم.
الاحتمال الثاني: أن يكون مينينديز هو كرت اسرائيل المحروق، والذي أيدهم كثيرا ولكنه صار في دائرة التتبع، والأفضل التخلص منه بالفضيحة التي يريدون وليس التي تداهمهم حسب الظروف، وها هنا تم انتقاء العلاقة بالملف المصري دون غيرها، وتم ربطها بالكثير من التعسف المتعمد، وربما يكون هنالك فاعل آخر أو دولة اخرى مستفيدة، ولكن لا أحد يستهدف حليفا لاسرائيل إلا بالتنسيق معها.
الاحتمال الثالث: هو ميكانيزم الصراع الداخلي في الكونغرس ومجاله الحيوي من شركات التآمر والضغط (لوبيينغ) وشركات العلاقات العامة، وهذه الشركات ترفض جدا التعامل المالي المباشر بين أعضاء الكونغريس والشركات والدول وأصحاب النفوذ، لأن التعامل المباشر في نموذج السيناتور مينينديز يلغي دورهم القائم على تقنين وتوصيل المكاسب، وأخذ عمولة في هذا الصدد، ويسددون للحكومة ضرائب باهظة جدا على عملهم، وهم غالبا كانوا جزءا من المحاولة الأولى لاتهامه بالرشوة والتي نجى منها واحتفل، ثم دخل بعدها في حب الهرمة نادين ذات الاصول اللبنانية الأرمنية والقوام الفارع والسيقان الممتلئة، وطار بها إلى الهند ليقدم لها خاتم الزواج أمام تاج محل ويغني لها.
تعقيدات منطقة واشنطون السياسية عبر عنها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب بوصف (المستنقع) لأنه خطر على من يدخله وخطر على من يسكنه وخطر على من يقترب منه، وتوعد ترمب بتجفيف المستنقع واسترداد الديموقراطية الطبيعية للشعب الأمريكي ولكنه فشل وطفا بدنه بين الحياة والموت بعد دورته الأولى، وها هو يحاول دخول المستنقع مرة أخرى، وخرجت عليه التماسيح والأفاعي لتمنعه وتفترسه بالخارج.
نجيب على سؤال هل ينجو السيناتور منينديز مجددا بتفصيل في مقال قادم؟ لكن أقول بالرغم من تماسك القضية، فقد نجا من قبل في تهمة قوية، وهو يقارب الآن عقدين من الزمان في مجلس الشيوخ الأمريكي (الغرفة العليا من الكونغرس)، ولا بد أنه اكتسب العديد من القدرات والعلاقات “التي تتضرر من سقوطه”، ولذلك من جهة أولى الاحتمال وارد، ومن جهة ثانية، الاجابة على هذا السؤال ترتبط بالاجابة على السؤال الأول، من هو الفاعل؟ ولماذا؟