ظل رئيس المجلس السيادي الفريق عبد الفتاح البرهان يطلق أخطر تصريحاته من أماكن يعتبرها أكثر تأثيرًا ..إما لدى مخاطبته قيادات وجنود القوات المسلحة أو من مناطق بولاية نهر النيل مستقويًا بأهله وعشيرته.
ردود أفعال متباينة لازالت تتصدر المشهد منذ إعلان البرهان شروطه لقبول الاتفاق الإطاري، والمتمثلة في دمج قوات الدعم السريع داخل الجيش. .البرهان قال في حديث واضح إذا تم دمج الدعم السريع والحركات المسلحة في القوات المسلحة سنمضي في الاتفاق الإطاري.
برغم أن قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو أكد في مرات عديدة عدم الممانعة في هذا الاتجاه ، لكن يبدو أن البرهان لم تكن لديه الثقة الكافية في ذلك خصوصًا وأن قوى الاتفاق الإطاري وقياداتها اتخذت من حميدتي وقواته سندًا في مواجهة قرارات القوات المسلحة التي ظلت تفرض شروطًا على العملية السياسية وعلى الاتفاق الإطاري.
واضح أن شرط البرهان الذي أطلقه من الزاكياب هو شرط القوات المسلحة والذي برز بوضوح في حديث الفريق شمس الدين الكباشي خلال زيارته الأخيرة لكردفان .فالبرهان كان من الممكن أن يفرض مثل هذا الشرط مع إعلان الاتفاق الإطاري بل يكون أهم بنوده قبل التوقيع ، لكنه لم يفعل إلا بعد أن استقوت قوى الحرية والتغيير بالقوة العسكرية لحميدتي وثروته وأصبحت تهدد بقاء الجيش وهي تعمل على إضعاف الجيش تحت ذريعة إعادة هيكلته وتنظيفه من الفلول.
واضح أن البرهان تلقى الضوء الأخضر من جهات خارجية يهمها وجود جيش واحد لاستقرار السودان . هذه الجهات كانت تقدم الدعم لقوى الحرية والتغيير المعتمدة على حميدتي . وقوى إقليمية ودولية كانت تقدم الدعم لحميدتي .. وهذا يشير إلى تغيير كبير في المشهد السياسي ستشهده البلاد الأيام القادمة .
كانت قوات الدعم السريع تستمد قوة استمرارها من الظروف التي أوجدتها وهي ظروف الحرب في دارفور والقضاء على التمرد والحركات المسلحة. الآن انتفت هذه الظروف تمامًا . ولم يعد وجودها مرهونًا بإحداث استقرار إقليم دارفور بعد دخول معظم الحركات المسلحة في العملية السياسية وفقًا لاتفاق جوبا .
من المهم جدًا في الظرف الحالي تحديد مصير قوات الدعم السريع وقبل ذلك مصير ارتباط قياداتها (قائد أول وقائد ثاني) بمصير وجودها في مستقبل المشهد العسكري، والتراتيبية التي تحكم القوات النظامية وفق القوانين واللوائح\، في دولة هشة كما السودان.
والسؤال المهم بعيدًا عن التنافس والصراع بين البرهان -حميدتي- هل من الممكن إحداث تحول ديمقراطي وحكومة مدنية في ظل وجود أكثر من جيش وعدد من المليشيات الحاملة للسلاح وقياداتها تقود العمل السياسي؟