سعادتي بالتجديد لي كفنان اليونسكو للسلام لاستكمال جُهود مُشتركة في بناء السلام بالفنون والفكر المستنير
تتعاظم أدوار سُفراء الفنون للسّلام والتنمية المُستدامة، ومُناهضة العُنف، هي دعوة للمُبدعين لتحقيق الغايات وحراستها
اللجنة العلمية العالمية لكتابة تاريخ أفريقيا العام أكملت عملها في الخرطوم ومروي.. وسوف نسعى مع اليونسكو لطباعة المجلد الأخير استكمالًا لجهودها لثلاثة عُقُود
عُدت يا سادتي، وتلك أيامي الأولى مع الترحال، بينها مدن الفنون في مناحي المعمورة، والعُمر وقتها ويومها فيه ظل وريف للنظر للفُرص المُتاحة للمبدع، والسعي في سباق نحو تحقيق حضور إقليمي وعالمي فيها فَضاءات الفنون المُتاحة، وبإصرار ورغبة عارمة، رغم ما فيها أوساط الفنون في الوطن من مساحات أضيق ما تكون للحلم باتّساع المُمكن، وفي ذلك الزمان والعمر في المبتدأ.
ما كنت في عُمري ذاك انظر للمشاركة الإبداعية فقط، ولكن كنت أُمني النفس والغايات بالاحتراف، ممارسة لا يعلو عليها شأنٌ غيرها، وقد كانت فنون الأداء أحوج ما تكون لذاك (المُشخّصاتي) واسع الأحلام مع الحيلة.
ومشيت مشاويري الأولى بينها مدينة الفنون الوطنية أم درمان (البقعة) المباركة على قدميّ كثيراً وبعيداً، وذاك كان عندي من مُوجبات التحدي الأكبر الذي عشقت.
ويوم مشيت بعدها في (باريس) من مقعدي في القاعة الكُبرى في مبنى (اليونسكو)، هي دقائق لا أكثر، أمشيها وأسمع اسمي تسبقه كلمات طيبات عنها الجائزة العالمية الثانية (جائزة الشارقة – اليونسكو للثقافة العربية العربية) تُزيِّن تواريخي الإبداعية، مُمثل ومُخرج وكاتب ومُنظِّم، وشريك في أحداث ثقافية قطريّة وإقليميّة ودوليّة، وعنها مشاويري القديمة في التأسيس لطريقٍ مُبدعٍ، لا يحلم، بل يقدم خيرات النجاح كلها، تعين على بلوغ الغايات، ممثلا على خشبة المسرح القومي في أم درمان، غير بعيد عنه نهر النيل العظيم، وجمهورٌ جاء لمتابعة الأسماء الكبيرة وقتها، والآن، لتحصد بعدها ترحيباً كبيراً. وعمري قبل العقد الثاني بقليل، وتلك مطالع السبعينات، وفنون التمثيل لها مؤسسة أهم في تواريخ الفنون الأدائية، (المسرح القومي) والمواسم فيه تضج بالحياة، تمارين الأداء متاح لها الفضاء الممكن، وخشبة المسرح لها شروطها الارفع والأنفع. وكنت وحدي في تلك المشاوير، تبدأ من الطرف الشرقي للنيل الأبيض، أمُر بالمدن عليها إشارات القرية بطيبة أهلها، لا بجمالها، البيوت، والناس بين زرع وغير ذلك، مشغولين عني، ولا أحد ينظر أبعد من حوض الجرجير، أو البصل، أو الترمس، زراعات متنوعة، تعين على عيش كريم.
وفي مشاويري هذه تكبر الأحلام لأبعد من المسرح القومي، وشارع الإذاعة والتلفزيون، وأعود إليها أوقاتي الأقدم وأنا في طريقي الى المسرح الكبير في القاعة الكبرى بمبنى (اليونسكو) الكبير كل شيء هنا كبير، و(باريس) باتساع أرجائها تشاركني الفرح اليوم، وفي هذا الصباح الباكر يجتمع الناس للاحتفاء بالفائزين بجائزة $ الشارقة اليونسكو للثقافة العربية)، واحدة من أهم مبادرات الإسهام العربية في دعم وكالة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو)، نعم كانت الفكرة أن تؤسس لمن دعم الثقافة العربية عبر أعمالك الإبداعية في داخل الوطن العربي، بنشر وتسيير الفنون، لتعبر عن ثقافات منطقة وشعوب، تعطي كل يوم نماذج أفضل للتعاون والتعايش بين الشعوب. والثقافة العربية واحدة من أهم الأدوات المساعدة، والجائزة منذ إعلانها قبل عقدين من الزمان تمشي نحو التعريف بجهود المبدعين العرب، قدموا تجاربهم في مختلف مناحي الإبداع ونقلوا الثقافة العربية للآخر في الغرب البعيد، وبلا تحديد لجغرافيا، إنها قدرة الثقافة وفيها الفنون على التواصل وبناء الجسور مع الآخر، فيستحق ويستحقون الجائزة، ثم الآخر البعيد خارج الوطن العربي، أسهم في نشر الثقافة العربية، وساعد على حوارها مع الآخر هذه الفكرة الأساس وفيها من التفاصيل الكثير.
وذاك المساء في ذات الفضاء العالمي جلست في مقعدي في القاعة الأهم (لليونسكو) في الطابق السابع، لأشهد الاحتفاء بي، لا فائز بجائزة عالمية، لكن من الخرطوم وفي ذاك النهار سمعت الهواتف ترن بالفرح، ونُقل لي الخبر بأكثر من صوت ورسالة وطريقة.
من باريس كلمني سعادة السفير الكاتب والأديب الدكتور خالد فرح، ونقل لي قرار معالي المدير العامة لليونسكو وقتها السيدة (ارينا بوكوفا) ، قال في فرح مؤكد، (إنها منحتك بقرارها “فنان اليونسكو للسلام”، تقديرًا لأدوار ظللت تعمل على تنميتها لسنوات، ثم اتصالاً لتقدير منظمات إقليمية وعالمية نظرت في مشروعك الإبداعي والإنساني الأهم “المسرح في مناطق النزاع”، واستخدامات الفنون الأدائية في تعزيز السلام، وأن الاحتفال سيُقام هنا في “باريس” وفق ترتيبات نبحثها معهم، ألف ألف مبروك).
وانظر معي، لا للصدفة، لكن التدبير الذي لا يُحاط به، وتلك التهاني في صوت الحبيب سعادة السفير الدكتور خالد فرح تتكرّر بعد ذلك بعقدين من الزمان يزيد ولا ينقص إلا قليلاً. ولا عندي مع الصدفة فكرة، ولا تُوحي لي بشئ. هو الزمان استدار ليكون الوقت كما كان قبلها بسنوات. وتصلني قبل أيام من دهليزي هذا بين يديك. وأكتب من فجيرة النور، رسالة كريمة من معالي المدير العام للمنظمة الدولية للتربية والثقافة والعلوم اليونسكو السيدة (اودري اوزلاي) بالتجديد لي، فنان اليونسكو للسلام، وتلك من دواعي الضجيج المُفرح وهو يُحيط بما أكتب الآن، ليكون بين ايديكم، وقد شاركني الأحباب بالنشر في الوسائط بالتهاني مع التبريكات المُفرحة، وقلت من نفسي لروحي، هي فترة طويلة بين يوم تكليفي الأول والآن وهي تجدّد لي، وتلك من أسباب السعادة لاستكمل بعض البرامج التي كانت بين يدي من قبل (اليونسكو) وبشكل خاص اهتمامي باستكمال جهود اللجنة العلمية العالمية لكتابة تاريخ أفريقيا العام، وقد عملت معهم لسنوات، وأسهمت بالقدر المستطاع والسودان حاضر في تلك الجهود العلمية والتنظيمية، علماء التاريخ السودانيين، كانوا ولا يزالون طرفًا أصيلًا في جهود اللجنة العلمية العالمية. ثم الحدث الأكبر، يوم رتب السودان واستضاف الأعمال الختامية للجنة بالخرطوم، لأيام تداولوا وأعدوا التقارير الختامية هنا في الخرطوم، ثم الحدث الأكبر عند انتقال اللجنة إلى مدينة (مروي) التاريخية لاستكمال عملها المُتقن، وعادوا واختتموا جهودهم العلمية في الخرطوم، لتعلن بعدها اليونسكو استكمال عمل اللجنة العلمية لكتابة تاريخ أفريقيا العام من هنا، وكنت الأسعد، لأن تلك الجهود كانت واحدة من تكليفي فنان اليونسكو للسلام، وتابعت بعدها في مشاوير بين (باريس) ومدن أخرى جهودي المشتركة مع مكتب مساعد المدير العام لليونسكو المختص، والإدارة التنفيذية للجنة في (باريس). وأسعى الآن لطباعة المجلد الضخم لنتائج أعمال اللجنة، وهو وثيقة علمية بالغة الأهمية أشعر بسعادة، إن عملي ودعمي لها يُحقِّق فكرة سفراء وفناني اليونسكو لدعم رسالتها العلمية والسياسية والإنسانية.
نعم، أنا كم سعيدٌ بقرار معالي المديرة العامة بالتجديد لي لفترة أخرى، وذاك عندي أجمل وأفضل كلمة في معنى الشكر وتقدير الجُهُود المُشتركة، وليست لي وحدي، فعون الأحباب من هناك من مدينة النور سفارتنا في (باريس) أصحاب السعادة السفراء الكرام حفظكم الودود، وهم يتبادلون عليها هناك، كانوا الفكرة الرئيسية في تسهيل مهمتي، وممثل السودان لدى (اليونسكو) ومكتبه، وكان لي مكتب في كل أوقات حضوري هناك بالإضافة لمكتبي في الهيئة الدولية للمسرح ITI/ يونسكو، نتجاور في مبنى المندوبين. ثم إن كل العمل الإبداعي الثقافي خارج الوطن، كانت وزارة الخارجية في الخرطوم حاضنة حاضرة له، في كل المستويات، المتابعة والدعم وتسهيل المهام بالغة التعقيد أحياناً، كانت هي بإدارتها المتعددة والمتنوعة حاضرة في كل التفاصيل، ولي في ذلك دهليز ود ومحبة ضروري ومهم عندي.
نعم إن شاء الودود سنكمل المهمة، وسيخرج للناس في العالم مجلد تاريخ أفريقيا العام، في نسخة إنجليزية وفرنسية وعربية وبكل لغات الأمم المتحدة ما أمكن ذلك.
دهليزي أن عمته رياح الفرح، فذاك لأني بها سعيدٌ، كلمات التقدير والتبريكات من الأحباب من كل مكان، وهي زادي لسنوات قادمات، بعد عقدي السابع هذا، أكمل فيه ما بدأت به، وأن أنظر بتقدير لما حاولنا ان نسعى ليكون بين الناس رابطاً، ومعنىً مغايراً لأشكال الفنون التقليدية.
أجلس أكتب غير بعيد من البحر المتّسع أمامي، وفي خاطري بحر أبيض، ثم نهر النيل، أخرج أيامي الأولى تلك ومُشاركتي في مسرحية (أحلام الزمان) للكاتب الشاعر الحبيب هاشم صديق، وإخراج الأستاذ الفنان صلاح تركاب، أقف بعد العرض وإلى جوار استاذي الممثل الراحل (عوض صديق) وكنت قبل قليل على خشبة المسرح أؤدي شخصية عمه وهو (عباس).
ثم أمشي راجلاُ حتى (الموردة)، أقف أمام الحديقة، أسمع الغناء الجميل، أنظر نهر النيل أمامي، تكون قبل مسافة أقصر، يوم التقى النهران على الطرف الجزيرة.
ماء ثم ماء، وأنا الشاب الممثل، أحلم وأقف بعدها بسنوات أمام البحر في مدينة (كان)، والشاطئ (اللازوردي) يرحب بي.. هو الماء المُتّسع هنا في البقعة المباركة، وهناك في المدينة الأجمل، ونجوم السينما العالمية تضئ المسافات.
فهل وصلت يومها لغير البحر الذي أعشق؟
لكم ودي،،،
وتعرفون صدقه
نعم…