
▪️في خضمّ الألم الكبير الذي يلفُّ بلادَنا الجريحة، وفي لحظة استثنائية من عمر الوطن يقف فيها الشعب على رُكام الحرب، تنبعث من تحت الرماد حقيقةٌ واحدة لا ينبغي أن تغيب عن الوعي : أن في السودان دولة.
▪️نعم، رغم الجراح، ورغم الهزّات، ورغم كل محاولات الاقتلاع من الجذور، إلا أن الدولة السودانية بقيت، وستبقى، لأنها متجذّرة في وعي وتاريخ هذا الشعب العظيم.
▪️قد تختلف الأنظمة، وتتعثّر الحكومات، وتتفاوت مقاييس النجاح والإخفاق، لكن روح الدولة لا تموت. فالسودان ليس مجرّد رقعة جغرافية أو سلطة عابرة، بل كيان مؤسسي ضارب في أعماق التاريخ، بنظام قضائي وتشريعي وتنفيذي، وبمؤسسات عسكرية وأمنية ومدنية متكاملة – سواء الموروثة من الاستعمار أو التي طوّرها السودانيون بفكرهم وجهدهم – ومتى ما توفّرت الإرادة والقيادة، فإنها تُبدع وتصمد.
▪️رجال الدولة الحقيقيون هم أول من يتحمّل مسؤولية ترسيخ هذه الروح. بدءًا من الوزير والوكيل والمدير العام، مرورًا بالوالي والمعتمد، وانتهاءً بأصغر موظف حكومي يحمل توقيع الدولة في محبرته أو على صدر بزّته الرسمية.
لا حديث اليوم عن الحزبية أو الجهوية أو المحاصصات، فالوطن في خطر، والميدان لا يحتمل ترف الانتماءات الصغيرة.
▪️وفي هذا السياق، يجب أن نُدرك – ونُذكّر – أن كل من تمّ تعيينهم في حكومة الدكتور كامل إدريس، سواء كانوا ممثلين لأطراف اتفاق جوبا كحركتي العدل والمساواة وتحرير السودان، أو من الكفاءات الوطنية التي رُشّحت عبر قنوات أخرى، فإنهم جميعًا اليوم في موقع خدمة الدولة، لا الجهات التي جاءت بهم.
هم اليوم مسؤولون أمام الوطن، لا أمام الحركات أو التنظيمات، وستُقاس أفعالهم بميزان الأداء، لا الولاء.
السياسة العامة وبرنامج الدولة المُجاز هما البوصلة، والمحاسبة ستكون بالقانون، لا بالمجاملات أو الترضيات.
▪️نحن لا نبني نظامًا عابرًا، بل نُعيد التأسيس لدولة القانون والمؤسسات، – عبر مرحلة الفترة الانتقالية ذات الحساسية والأهمية التاريخية – الدولة التي تستوعب الجميع على قاعدة الحقوق والواجبات، وتبني سياجها الوطني من الانتماء والفخر، لا من الخوف أو الاستقطاب.
▪️وقد آن الأوان لترسيخ هذا الفهم لدى المواطن، حتى لا يبقى المتفرّج على أداء الدولة مجرّد ناقد أو منتظر، بل شريك حقيقي يملك حق السؤال ويتحمّل عبء الواجب.
▪️لقد كانت الحرب التي اجتاحت السودان محاولة استئصال كاملة للدولة، لا مجرّد تمرّد عابر أو فوضى أمنية. أراد المعتدون تدمير مؤسسات الدولة، ومحو ذاكرتها الجمعية بسرقة وثائقها وآثارها وإخفاء أرشيفها ، وإهدار سيادتها، وتشريد مواطنيها لكنهم فشلوا..
لأن هناك ما لم يدركوه : ( روح الدولة… ) وهي التي صمدت حين تخلّى البعض، وواجهت حين تواطأ الآخرون، وواصلت رغم الجراح العميقة.
▪️ومع تشكيل الحكومة الانتقالية الجديدة، لا بدّ من قول الحقيقة كاملة:
نحن الآن أمام مرحلة التأسيس الحقيقية، لا تلك “منصات التأسيس” المزيّفة التي خدعتنا بها بعض القوى السياسية الهشة في السابق، وهي نفسها التي تحالفت لاحقًا – سرًا وعلنًا – مع المليشيا الإرهابية التي حاولت خطف الدولة لمصلحة أجندات خارجية معلومة ومثبتة .
▪️الآن، التحدي الوطني الأول هو الحفاظ على الدولة : كيانًا ومقدرات ، وقرارًا ومؤسسات، وحدودًا وشعبًا.
▪️نعم، الطريق شاق، والمهمة جسيمة، لكن الشعوب العظيمة تُولد من رحم التحديات.
والسودان، الذي قاوم أطماع الاستعمار الجديد والإخضاع الخبيث ، ونزق المغامرين، لن يُهزم ما دامت فيه روح الدولة حيّة.
،، والي الملتقي ..