
بقلم: د. أمجد عمر محمد
رأس المال الفكري يُعد من أهم الموارد غير الملموسة التي يمكن أن تسهم بفعالية في إعادة بناء الدول الخارجة من النزاعات، ويكتسب هذا المفهوم أهمية متزايدة في السودان في ظل الظروف الصعبة التي يمر بها. فبعد سنوات من الحرب وما خلفته من دمار شامل في البنية التحتية وتدهور في المؤسسات، لم يعد التركيز على الموارد المالية والمادية كافيًا للنهوض من جديد، بل أصبح من الضروري الالتفات إلى العقول والخبرات والمعارف المتوفرة داخل المجتمع السوداني، سواء في الداخل أو في الخارج.
رأس المال الفكري يشمل المعارف والمهارات والتجارب التي يمتلكها الأفراد، إضافة إلى القيم التنظيمية والثقافية التي يمكن أن تُستخدم في دعم جهود الإعمار وبناء المستقبل. إن كثيرًا من السودانيين، رغم ما واجهوه من تحديات، ما زالوا يحتفظون بقدرات معرفية كبيرة يمكن أن تلعب دورًا مهمًا في تحريك عجلة التنمية من جديد. هؤلاء الأشخاص يمثلون كنزًا حقيقيًا إذا ما تم تنظيم جهودهم واستيعابهم ضمن خطط وطنية شاملة.
في واقع السودان، يمكن لرأس المال الفكري أن يكون أداة فعالة في إعادة بناء المؤسسات العامة على أسس جديدة قوامها الشفافية والكفاءة، وفي إصلاح النظام التعليمي ليكون قادرًا على إنتاج المعرفة بدلاً من مجرد تلقيها. كما يمكن تسخير الكفاءات العلمية والبحثية في تقديم حلول عملية لمشكلات معقدة مثل الأمن الغذائي، وتوفير المياه، والطاقة، وإعادة تنظيم الاقتصاد.
الاستفادة من هذا المورد تبدأ أولاً بالإيمان به، ثم بوضع سياسات واضحة لرصده وتفعيله. يجب أن تعمل الدولة على حصر الكفاءات السودانية داخل السودان وخارجه، وربطها بمشروعات التنمية الوطنية. كما أن تحسين بيئة العمل، وتوفير الحريات، والدعم المؤسسي للبحث العلمي، تشكل بيئة جاذبة للعقول السودانية التي اضطرت للهجرة أو العزوف عن العمل العام. كذلك، فإن إشراك الشباب في عملية الإعمار، وتمكينهم من خلال التدريب والتأهيل، يعزز من فرص بناء دولة حديثة تقوم على الابتكار والمعرفة.
ما بعد الحرب هو لحظة فارقة في تاريخ السودان، وإذا تم استثمار رأس المال الفكري بالشكل الصحيح، فإنه سيكون حجر الأساس في بناء وطن متماسك، مزدهر، ومبني على أسس علمية وإنسانية قوية، قادرة على الصمود في وجه التحديات وبناء مستقبل أفضل لكل أبنائه.