
▪️دافعي لهذا المقال هو حملة الاستهداف المتذاكية هذه الأيام ضد جهاز المخابرات العامة، وهي لحظة تقتضي منا، نحن الذين نؤمن بمسؤولية الكلمة، أن نكتب هذا الدفاع المشروع، في وجه استهداف خبيثٍ بدأت تتشكل ملامحه عبر تسريبات إعلامية مسمومة، وقوالب دعائية تتخفّى خلف عبارات براقة، بينما تحمل في جوهرها سمًّا زعافًا يستهدف أحد أعمدة الدولة.
▪️لا احتاج لبذل التزلف ، او مجاملةً أحد ، بل اكتب وفاءً للحقيقة، وإنصافًا لدورٍ وطني صامت طالما صدّت عنه الكاميرات، وتنكّرت له العناوين في بعض الأحيان ، بينما بقي على جبهات العمل الحقيقي، يذود عن البلاد في الخفاء.
▪️لا أحد ينكر أن جهاز المخابرات العامة السوداني كان، ولا يزال، خط الدفاع الأول الذي اصطدمت به المؤامرات، وتكسّرت عليه موجات الاختراق، قبل أن تصل إلى عمق الدولة. وهو جهازٌ لم يطلب التصفيق، ولم يسعَ للنجومية، بل ظلّ يعمل تحت طائلة المسؤولية الوطنية التي لا تعرف الأضواء.
▪️منذ العام 2019، تعرض الجهاز لحملة تفكيك مريبة، ارتدت عباءة “الثورية”، لكنها كانت في جوهرها معولًا لهدم الدولة، لا إصلاحها. استُخدمت الشعارات كغطاء، والتعبئة العاطفية كوقود، بينما المخطط كان واضحًا: تحييد مؤسسة سيادية شديدة الحساسية، بهدف تفريغ بنية الدولة من قوتها الحارسة.
▪️ثم جاءت حرب 15 أبريل 2023، فأسقطت الأقنعة، وكشفت الغايات. وإذا بالجميع يرون الحقيقة بأعينهم: لم يكن ما جرى تطهيرًا، بل كان تجريفًا متعمدًا لمؤسسات الدولة لحساب مشاريع التمرد، ومطامع المرتزقة، وأحلام الفوضى.
▪️ولم يكن الجهاز حينها في حاجة إلى تذكير أحد بواجبه، ولا انتظر تعليمات ليباشر أدواره. انطلق فورًا، فكان السند الاستخباري الأقرب للقوات المسلحة، والمستجيب الأول في ظل انقطاع مؤسسات الدولة، وسقوط الخرائط في يد جماعات مسلحة لا تؤمن بحدود، ولا تقيم وزنًا لسيادة.
▪️والحق يُقال: إن القيادة الحالية للجهاز، ممثلة في الفريق أول أحمد إبراهيم مفضل، لم تكن قيادة بيروقراطية تنتظر اللحظة. بل كانت قيادة مبادرة، مؤمنة بواجبها، راسخة في أرضها. فالرجل ابنٌ أصيل لهذه المؤسسة، عاش مراحلها، وتشرّب ثقافتها، وخرج من صمتها لينقذ حضورها.
▪️وإلى جانبه، برز الفريق الركن محمد عباس اللبيب في زمان الهيعة والملحمة ، يعيد الروح إلى الجهاز، بجهدٍ خلاق، وبنيةٍ صلبة. أعاد هيكلة القوة القتالية، وفتح أبواب العودة لمن تم تفكيكهم، فاستعاد آلافًا من رجال “هيئة العمليات”، الذين لبّوا نداء الواجب، من داخل الوطن وخارجه، ليؤكدوا أن الانتماء للوطن لا يُفكك بقرار، ولا يُلغى بشعار ..
وكلاهما ” مفضل ” و ” اللبيب ” سيترجلان يوماً وفق الاستحقاق الطبيعي لهذه المؤسسات الوطنية يلفهما الفخار والإعتزاز بآداء الواجب المقدس ولكن ليس برغبات الاعداء او طرائق الخبثاء .
▪️لم تكن معركة الجهاز معركة ميدان فقط. بل كانت معركة عقل، وتحليل، وتقدير موقف. كانت معركة معلومة دقيقة تُسلم في الوقت المناسب، ومعركة رصد، وتعقّب، وعمليات أمنية خاطفة في العمق، كثيرٌ منها لا يزال طي السرية. وكان الجهاز أول من حذّر، وأول من طرق جدران الخطر، وأول من قرأ النيران القادمة من وراء الحدود.
▪️لكنه، للأسف، جُوبِه آنذاك بالصمت، والتجاهل، بل أحيانًا بالاستهزاء، حتى وقعت الواقعة، وذاق الوطن مرارة الغفلة، ونزيف التفريط.
▪️ثم لنمعن النظر في ما فعله الجهاز في الشهور التالية : لم يكتفِ بالأدوار الأمنية، بل انخرط في دعم إنساني واسع، ساند فيه المستشفيات، ورعى المواسم الزراعية، وساهم في تأمين الامتحانات، ودعم مشاريع تنموية صغيرة في ظل الانهيار العام بسبب العدوان ، لقد فعل ما لا يُنتظر من أجهزة سيادية تقليدية، لكنه فعل ذلك من باب الشعور العميق بالمسؤولية.
▪️أما خارجيًا، فقد كان للجهاز جهدٌ دبلوماسي أمني رفيع، طرق فيه أبواب أجهزة مخابرات العالم، شارحًا حقيقة ما يحدث، كاشفًا التدخلات الإقليمية، ودور بعض الدول التي تحولت إلى ممرات دعم وتمويل للخراب، وعلى رأسها الإمارات ، ونظام تشاد، وأطراف ليبية .
▪️وفي معركته ضد الإرهاب، كانت المخابرات العامة على الموعد، تنسّق مع الأجهزة النظامية، وتنفّذ عمليات دقيقة في وقتٍ كان فيه التمرد قد أطلق سراح المتطرفين، في محاولة لإشعال السودان من داخله وإحراق المنطقة برمّتها.
▪️وها نحن اليوم، أمام حقيقة لا تقبل الجدل:
لا دولة بلا جهاز مخابرات قوي، منضبط، ومهني.
كل دول العالم – بلا استثناء – تبني قراراتها على المعلومة الاستخبارية، وتصوغ أمنها القومي من خلال ما ترصده عيونها، لا ما يروَّج له على المنصات.
▪️فلماذا يُستهدف هذا الجهاز؟
هل لأنه عمل في صمت؟
أم لأنه بقي متمسكًا بعقيدة الوطن، رغم المحاولات المستمرة لعزله وشيطنته؟
▪️حق ومستحق الإنصاف الآن لجهاز المخابرات العامة. لا لأننا نمنحه صكّ براءة مطلقًا، ولا لأنه لا يخطئ، بل لأننا في لحظة وطنية فارقة، لا تحتمل الظلم ولا تصمت على الجحود.
وليعلم الجميع : العدل لا يكون حين تنصف من تحب، بل حين تُنصف من ظلمته عن جهل، أو بدافعٍ من موجةٍ عابرة.
▪️كفى استهدافًا لمن يقفون اليوم في خط النار دفاعًا عن الوطن.
وكفى عبثًا بمؤسسات السيادة.
فمن دونها، لن يبقى لنا وطن حتي لنختلف حوله.
،، والي الملتقي ..