يعيش السودان في الوقت الحالي في دوامة أزمة سياسية طاحنة بين أطياف سياسية متعددة، وتسعى الآلية الثلاثية المكونة من الأمم المتحدة والاتحاد الافريقي ومنظمة الايقاد لجمع الفرقاء والتوافق على حل مرضي للجميع، لكن يبدو أن الجميع الآن في انتظار ما تسفر عنه مواكب ومظاهرات واحتجاجات ستقوم يوم الثلاثين من يونيو القادم.
أخشى أن تكون الجهات المختصة قد انشغلت بسبب الأزمة السياسية عن الانتباه لأزمة أخطر قد تعصف بكيان الدولة نفسه، هي أزمة المجاعة.
النزاعات المسلحة في عدد من الولايات، والأزمة الاقتصادية، وضعف المحاصيل، أثرت بشكل كبير على حصول الأشخاص على الغذاء، ومن المرجح أن يتضاعف عدد الأشخاص الذين يواجهون الجوع الحاد في السودان إلى أكثر من 18 مليون شخص بحلول سبتمبر 2022 وفقاً لمنظمة الأغذية والزراعة وبرنامج الغذاء العالمي.
ووفقاً لتقييم سريع مشترك للاحتياجات أجرته منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) وحكومات الولايات المعنية في ديسمبر 2021 تعد ولايات كسلا والبحر الأحمر وشمال دارفور من بين الولايات الأكثر تضرراً، كما تأثرت أيضا ولايات شمال كردفان ووسط دارفور والنيل الأزرق جنوب كردفان وجنوب دارفور بموجات الجفاف.
ويعود فشل المحاصيل إلى عدم انتظام وانخفاض هطول الأمطار في العام الماضي، وارتفاع تكاليف المدخلات الزراعية والإنتاج، والعنف والنزاعات على مستوى عدد من الولايات، ومما يزيد الوضع تعقيداً تأثير الأزمة الاقتصادية وزيادة التضخم وتضاؤل القوة الشرائية للسكان في السودان.
ويقدر إجمالي إنتاج محاصيل الحبوب الرئيسية (الذرة الرفيعة والدخن والقمح) في عام 2021/22 بنحو 5 ملايين طن وفقاً لمنظمة الأغذية والزراعة. وهذا أقل بنسبة 30 في المائة من متوسط السنوات الخمس السابقة و35 في المائة أقل من إنتاج العام الماضي.
ويُقدر نقص إمدادات الذرة الرفيعة بنحو 1.3 مليون طن متري وهو الأعلى في السودان منذ الثمانينيات. وسيغطي 3.5 مليون طن من الذرة الرفيعة المتاحة من حصاد الموسم الماضي احتياجات الأشخاص من الغذاء وعلف الماشية لمدة 10 أشهر.
ويقدر إنتاج القمح المتوقع بحوالي 584,600 طن وسيغطي شهرين ونصف من احتياجات السودان من القمح. ويقدر العجز في الحبوب (الذرة الرفيعة والقمح والدخن) للبلاد بـ 4.3 مليون طن.
في ظل البيانات أعلاه، إضافة لأزمة الغذاء العالمية بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، فإنه لا بد وعلى نحو عاجل توفير احتياجات الموسم الصيفي والشتوي للزراعة، عبر آلية يمولها البنك الزراعي، من خلال محفظة تشارك فيها البنوك الأخرى. على أن يكون استيراد المدخلات والرقابة على توزيعها عبر لجنة من الجهات المختصة تمثل فيها هيئة الأمن الاقتصادي، التابعة لجهاز المخابرات العامة، تمثيلاً قوياً بالمركز وبالولايات.
يعتقد أن المضاربات والسمسرة والفساد هي الأسباب الرئيسية في ارتفاع تكلفة الزراعة في السودان، إن الرقابة الحكومية الصارمة يتوقع أن تأتي بنتائج باهرة.
الزراعة والرعي والمهن المرتبط بهما يعمل بها ما يقارب 75% من سكان السودان، لهذا فإن الاهتمام بتوفير المناخ الصالح للعمل والاستثمار فيها يمثل لبنة أساسية في إزالة حالة الفقر عن السكان. وفي ضمان استقرار الدولة. والله الموفق.