العبيد احمد مروح
لم تُجدِ محاولة مجموعة المجلس المركزي في قوى الحرية والتغيير لإعادة طلائها وتغيير جلدها نفعاً، وظلت تُمنى بخسائر سياسية مستمرة منذ أن بدأت تتكشف علاقتها الوثيقة بتمرد قوات الدعم السريع العام الماضي وحتى يوم أتى داعموها برئيس الوزراء الإنتقالي عبد الله حمدوك ليقودها في إطار تحالف جديد أسموه “تقدم”. الحرب التي تشهدها بلادنا منذ منتصف أبريل من العام الماضي، هي بالأساس حرب سياسية، حاولت من خلالها القوى المحلية المدعومة بقوىً إقليمية ودولية أن تفرضا أجندة محددة على شعب السودان عن طريق الانقلاب العسكري والعمل المسلح، ولمّا فشلتا في ذلك لجأتا إلى سيناريو الفوضى واستدامة الصراع وإيقاد نار الفتنة بين أطياف المجتمع السوداني، وهما ما تزالان تفعلان ذلك، لكن من الواضح أن الرياح لم تجر على ما تشتهي سفنهم. سيناريو الفوضى الذي طبقته مليشيا الدعم السريع حرفياً، والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني التي طالت الأفراد والمؤسسات، وحالات النهب والسلب والخطف والقتل على الهوية التي مارستها المليشيا، كلها لم تمنع مجموعة المجلس المركزي في هيكلتها الجديدة المسماة “تقدم” من الوقوف بجانب جناحها العسكري ممثلاً في تلك المليشيا ومن التصدي للدفاع عنه في المحافل الدولية والإقليمية وتبني روايته لما جرى ويجري، الأمر الذي أكد أنهم جميعاً ليسوا سوى أدوات في أيدي تلك القوى الخارجية التي ظلت تخطط لبسط هيمنتها على السودان والتحكم في قراره الوطني وثرواته الهائلة، بعد تفكيك جيشه وضرب نسيجه المجتمعي. لقد خيبت مجموعة المجلس المركزي ظن قطاعات معتبرة من السودانيين، كانوا قبل نحو خمس سنوات، يعلقون آمالاً على دورها المفترض في الإنتقال إلى نظام ديمقراطي كامل تؤول فيه السلطة لمن يفوضه الشعب السوداني عبر صناديق الإنتخابات، ولم تقف خيبة الأمل عند حد مجموعة المركزي التي تدعي الحرية وتناصر الشمولية، بل تعداها إلى القوى الدولية التي طالما صدعت الآذان بدعم الديمقراطيات في العالم، فإذا بها تترك الحبل على الغارب لحلفائها ووكلائها في المنطقة الذين أصابهم الصمم من نداءات وتطلعات شعوبهم للحرية والديمقراطية !! لقد حزم الشعب السوداني أمره، وساند جيشه في الحرب التي فُرضت عليهما، وسحب ما بقي من بساط التأييد من تحت أقدام كل ما يمت بصلة إلى ما كان يعرف بمجموعة المجلس المركزي، وحاصر خلاياها النائمة وبدأ يفكك شبكاتها الداعمة للتمرد، وها هي سلطة شعبية جديدة تنشأ من تحت غبار الحرب وركام الدمار الذي أحدثته المليشيا المتمردة، دون تدخل سياسي من أي طرف، الأمر الذي يؤكد مقولة أن ما بعد حرب أبريل لن يكون كما قبلها، وأن تياراً وطنيناً جديداً بدأت ملامحه في الظهور، وأخذ يفرض واقعاً جديداً على الأرض يستحيل تجاوزه، ويشكل اصطفافاً جديداً للدفاع عن الوطن ومقدراته، وبالتالي فإن مدة اختطاف الإرادة الشعبية والتحدث بلسان “القوى المدنية” لن تطول بأكثر مما طالت. التراجع السياسي الذي لحق برصيد “تقدم” والخسران الذي أصاب سمعتها على مستوى الشارع السوداني لن تجدي معه استماتة الداعمين في تخليصها من الوحل الذي أوقعت نفسها فيه، ولم يعد أمام قياداتها من خيار سوى أن تختار المنافي وطناً.