✍️ عثمان جلال
(1)
في قروب صحافسيون والذي جمع فيه مؤسسه الصحفي الذكي والمثير للجدل الأخ عطاف عبد الوهاب صفوة من القيادات السياسية والإعلامية والدبلوماسية والأكاديمية وصناع الرأي في السودان، وصف احد اعضاء القروب ما يتعرض له الاستاذ ياسر عرمان نائب رئيس الحركة الشعبية شمال (جناح مالك عقار)من هجوم لاذع من الاسلاميين بالشيطان المركوز في نهاية عقولهم، ودعاه للتحصن بالسترات الواقية الحسية والمعنوية (يعفو ويرضو كما تقول الأسطورة الافريقانية، ونحن الإسلاميين عيننا باردة أعلى ذوي العلا، وقناديل الخير الوريق، وقديما قال المتنبيء وما استغربت عيني فراق رأيته ولا علمتني غير ما القلب عالم)، ثم استدرك بمناشدة عقلاء الإسلاميين خاصة ممن صقلتهم التجارب بممارسة النقد لتجربة الحركة الإسلامية في السودان وتحريرها من (حالة الانكفاء على الذات ودي جابا حاااامضة وعلى قول استاذنا البوني انا ما بفسر وانت ما بتقصر ). ولكن يظل التيار الإسلامي الاعلى كعبا في تجمير تجربته في السياسة والسلطان بالنقد والمراجعات المنتجة، والقوى السياسية الوطنية تدرك هذه الحقيقة ولكن وما انتفاع اخ الدنيا بناظره إذا استوت عنده الانوار والظلم.
(2)
في اعتقادي أن مداخلة هذا الكادر والذي ينتمي لمدرسة اليمين السياسية التقليدية تستبطن نزعة عرفان ورجاء في الإسلاميين باعتبارهم طليعة اليمين الفكري والسياسي وعليهم الرك في تشييد ركائز مشروع النهضة السودانية والمتمثل في وحدة السودان، وصيانة هويته الثقافية، وتماسك أوتاده المجتمعية، ونجاح نموذجه الديمقراطي في الحكم، وتفجير موارده المادية والاقتصادية
(3)
ولكن حقا أن هجوم ونقد الإسلاميين للأخ ياسر عرمان يبقى غير مبررا لأنه ينم عن تدحرج وتقهقر للوراء وانصراف عن أمهات القضايا الوطنية، وضرورة استمرار العصف الفكري والسياسي حول وحدة التيار الإسلامي الوطني باعتباره العمق الاستراتيجي لمشروع النهضة السودانية، لان الاستاذ عرمان يرمز لتيار فكري وسياسي تاريخاني أصابه التكلس ومكانه الطبيعي العيش في ضفاف الحياة السياسية والفكرية السودانية، وهذا من ثمرات كسب مشروع حركة الإسلام في السودان حيث أنها حسمت معركة الصراع الفكري والسياسي بينها وبين اليسار المثالي، واليسار الجزافي إلى نصر، وطورته إلى خلاف تباين وتنوع وثراء داخل مدرسة اليمين الفكري والسياسي والمجتمعي ، وهنا تكمن نقمة اليمين التقليدي على الحركة الإسلامية والذي أراد اختزال الدين والسياسة في أسر برجوازية طائفية شبه اقطاعية ويأنف على الانفعال مع سنن التطور وموجبات الحداثة، وهنا أيضا تكمن نقمة مدرسة اليسار على الحركة الإسلامية والتي بزته وقدمت الدين والتدين في ثوب سياسي واقتصادي وثقافي قشيب ومتجدد.
(4)
عودا على بدء فإن انتصار حركة الإسلام في السودان على مدارس اليسار التاريخانية لا ينم عن نزعة هيغلية مثالية ترى ان الكل الفكري والثقافي والمجتمعي يجب أن تكون السيادة الثقافية والسياسية، وان الجزء والآقليةالثقافية والمجتمعية يجب أن تعبر عن ذاتها من خلال الذوبان والتلاشي في الكل، لكن هكذا كانت حركة التاريخ السياسي،الاجتماعي والثقافي في السودان منذ ممالك كوش ومروي والممالك المسيحية الثلاث، والممالك الإسلامية في السودان الشرقي القديم، والعهد التركي، والحكم الثنائي البريطاني المصري وإلى الآن، حيث كان وسيبقى الدين هو الفاعل في مجرى الحياة ، ومنبعه قاعدة المجتمع ، وكلما قامت اقلية صفوية بمحمولات واردات ثقافية وايديولوجية غريبة عن وجدان المجتمع السوداني نهض ونفر المجتمع لإعادة بوصلة التاريخ والتقدم للإمام.
(5)
في الحقيقة ان تيار الأقلية الفكرية والسياسية والاجتماعية الذي يمثله الأخ ياسر عرمان في حاجة ماسة للتواصل والحوار والتوافق مع التيار الإسلامي الوطني العريض في السودان لأن وجود هذا التيار _ مهما كانت هامشيته وانحسار تمظهراته_ في مؤسسات الحكم الرسمية الرأسية والافقية داعم لقضايا البناء الوطني والديمقراطي، وممسكات الوحدة الوطنية، لأن اقصاءه سيدفعه اما للجوء للانقلاب العسكري، أو الانغماس في الغابة المسلحة أو التسلق والصعود لأعلى الجبل بالتالي استمرار واستفحال تجليات الأزمة الوطنية الحدية.
(6)
تقول القصة الطريفة والتليدة أن سباقا جرى في احدى حدائق الحيوانات وما أن انطلقت صفارة البداية حتى انبرت جميع الحيوانات في الجري للظفر بالمقاعد الأمامية الا الأسد ملك الغابة ظل كامنا في عرينه في عزة وشموخ وسؤدد، فالاسد يعرف ذاته وقدره ولا يمكنه التهافت والاندلاغ في معركة مع من هم دونه، هكذا يجب أن تجري سنن التدافع الفكري والسياسي بين التيار الإسلامي الوطني والاقلية الفكريةوالاجتماعية التي يمثلها الأخ ياسر عرمان فجماعته مثل الأغصان الميتة ضخ الحياة والحيوية فيها يلزم السعي والدأب الدائم للحوار والتوافق مع الإسلاميين.