بيان البرهان مرة أخرى : ذهب الجيش (للثكنات) فهل تذهب الأحزاب (للإنتخابات)..!! (الإنتظار لحين التوافق) مغامرة سياسية جديدة..!!
(1)
ببساطة قرر الفريق أول عبدالفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة الإنتقالي والقائد العام للقوات المسلحة ( عدم مشاركة القوات المسلحة في الحوار الذي ترعاه الآلية الثلاثية) ودعا القوي السياسية للتوافق وتشكيل حكومة تنفيذية وتلتزم القوات المسلحة تنفيذ مخرجات الحوار مع تأكيد (ان القوات المسلحة لن تكون مطية اي جهة سياسية للإنفراد بالسلطة).. وزاد على ذلك إعفاء خمسة من أعضاء مجلس السيادة الإنتقالي، لإفساح المجال لمشاركة المدنيين وإن أقتضي الحال، حل المجلس..
وبيان أمسية ٤/يوليو ٢٠٢٢م، أدخل القوى السياسية السودانية وكذلك الوطن في إمتحان مغامرة ( الإنتظار لحين التوافق).. واراح الجيش وقائد الجيش من الملاحاة والملامة والضغوط.. و إنسحاب القوات المسلحة من جدل السياسة يشير للاتي :
- تأكيد مواقف القوات المسلحة السابقة بأنها راغبة في الإنسحاب من المشهد السياسي شريطة توافق القوى السياسية، ودون إقصاء لأحد أو إستفراد احد بالشأن العام، وهذا يؤكد زهد الجيش في الحكم كما يعزز فرضية نفاد الصبر من (مطل) السياسيين ومناورتهم وتحميل الجيش تبعات خلافاتهم..
- إزاحة الضغوط الأجنبية والمناورات المريبة عن كاهل المؤسسة العسكرية، خاصة أن بعض الدوائر الخارجية تهدف إلى التركيز على الجيش وفرض عقوبات عليه، كما أن خطاب سيطرة الجيش يجد صدى في دوائر صنع القرار الغربي..
-سحب البيان فرضية التظاهر من (أجل إستعادة الحكم المدني وعودة العسكر للثكنات) ، ولم تعد هذه الفرضية قائمة وبذلك تضطر قوي التصعيد لتكييف مطالبها بخطاب آخر.. (تسليم الحكم لقوى الثورة) وهذه نقطة خلافية وأقل تقبلاً لدي الرأي العام وأكثر حرجاً.. - رهن الحوار ونتائجه، ومستقبل البلاد وأهلها من خلال حوار الآلية الثلاثية، وأغلق الباب دون الآخرين، من حوار ثنائي أو مبادرات وطنية أو أهلية..
- لم يحدد البيان سقفاً زمنياً، وكان يمكنه القول (أرجو أن يتم كل ذلك في حدود الفترة الانتقالية وبما يمكننا من قيام الإنتخابات في وقتها العام ٢٠٢٣م)، ولكنه افسح المجال دون توقيت..
- أعاد البيان للأذهان مشروعية بيان (١١ أبريل ٢٠١٩م) وبيان (٢٥ أكتوبر ٢٠٢١م)، وفى كليهما تدخل قادة المؤسسات العسكرية في شأن سياسي دون مبرر، وكان الحال افضل من الان..
(2)
لا يمكن قراءة البيان دون إستحضار احد شعارات التغيير واحد شعارات المرحلة الإنتقالية : (الجيش للثكنات) و (الأحزاب للإنتخابات)، وترك الفترة الانتقالية للتكنوقراط والكفاءات الوطنية.. وقد تشكلت حكومة د. حمدوك الأولى على هذا المبدأ (أغسطس ٢٠١٩م) ، وأستشكل الراهن السياسي مع تكالب أحزاب قوي الحرية والتغيير على السلطة، مما أدى إنتاج الحكومة الثانية(يناير ٢٠٢٠م) ..
لقد رفع الجيش يده عن السلطة ولكنه غمس راس الأحزاب في المياه الساخنة وطالبهم بالإتفاق على (تشكيل حكومة) وليس على الحكم، ولذلك فإن غاية التوافق على شكل حكم إنتقالي للوصول للإنتخابات، وعلى الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي والإيغاد المساهمة في تحقيق ذلك وهذا أمر مقبول ولا خلاف عليه..
إن الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي والترويكا مدعوة إلى تحقيق تطلعات المواطن وليس الإنحياز لطرف سياسي لتمكينه من السلطة ومحاباته وتعطيل حياة الناس من أجله، كما حدث مع تعليق حوار الآلية الثلاثية من أجل (إستصحاب مجموعة المجلس المركزي) ، وتجارب الأمم المتحدة في ليبيا ومحاولة إستصحاب الفريق حفتر احدثت إنقسام هدد وحدة البلاد، وممالاتهم للحوثيين في اليمن حولت البلد السعيد إلى أكثر بلدان العالم معاناة من الجوع والفقر والعوز والموت، فلا داعي لتكرار ذات التجارب من خلال إدعاءات (أصحاب المصلحة) وهذه الشعارات الخادعة..
لقد رحبت قوي سياسية فاعلة بموقف الجيش، وينبغي تحويل هذا الترحاب بإبتعاد رهانات الأحزاب عن مرحلة الإنتقال والإستعداد للإنتخابات…
(3)
و مع إشارة البرهان إلى معاناة المواطن، فإن غياب السقف الزمني يؤدي إلى فتح المجال للمزيد من الضغط المعيشي وغياب الخدمات وتدهور البنية التحتية، لقد أصبح أكثر من ١٣ مليون مواطن سوداني بحاجة للدعم الإنساني، والسودان ووفق لتقارير أممية ومنها برنامج الغذاء العالمي يحتل المرتبة الخامسة في ذلك، وهذا أمر مؤسف، الدولة التي احتلت المرتبة العاشرة في إنتاج الذهب حتى العام ٢٠١٨م، والثانية أفريقياً، و(سلة غذاء العالم) تبحث اليوم عما يسد رمق أكثر من ثلث شعبها، كل ذلك لغياب مؤسسات الحكم الفاعلة..
وأي تأخير لتشكيل الحكومة سيؤدي إلى كارثة إنسانية، كما يؤدي لمخاطر غياب هيبة الدولة ومؤسسات الحكم..
لقد ابتعد الجيش من (لوحة النشيان)، ولم تعد المزايدة بمواقفه مجدية وعلى الحادبين على الوطن البحث عن مصالح الوطن والمواطن..