تقرير : خالد محمد علي

عقب اعلان قوات الاحتلال الإسرائيلي عن توجيه ضربات لقواعد تركية في الشمال السوري ونفي أنقرة، يتبادر إلى الذهن أن تل أبيب بدأت في التحضير لعملية عسكرية موسعة ضد الوجود التركي في سوريا، وبينما اكدت تركيا انها تقوم بتدريب واعادة تأهيل الجيش السورى استمرت إسرائيل في ضرب قواعد وكوادر هذا الجيش في جميع الاراضي السورية وترى اسرائيل ان عمليات التدريب والتحديث يمكنها اعاقة مطامعها في الاستيلاء على المحافظات السورية الثلاثة، وهي القنيطرة، السويداء، ودرعا وجزء من محافظة الرقة.
ويتخوف المراقبون من توجه بنيامين نتنياهو وحكومته المتطرفة لإدخال تركيا في صراع إقليمي ودولي كبيرين، حيث يتوقع أن يتم الزج بالولايات المتحدة الأمريكية وقواعدها السبعة عشر على الأراضي السورية في هذا الصراع العسكري الذي تجهز له ضد الدولة التركية، وهو ما يمكن أن يدخل تركيا في حرب عالمية تقودها إسرائيل وأمريكا وربما تنضم لها دول أوروبية أخرى مثل فرنسا وبريطانيا وألمانيا.
وتقوم إسرائيل بتدمير جميع القواعد العسكرية ومخازن السلاح والوحدات العسكرية السورية منذ إسقاط نظام بشار الأسد في الثامن من ديسمبر 2024، كما أنها قامت بقتل عدد من المستشارين الأتراك الذين يحاولون تدريب أفراد من الجيش السوري على منظومات الدفاع الجوي داخل الأراضي السورية، وتجنبت تركيا التصعيد وتوسيع الصراع مع إسرائيل للإفلات من فخ نتنياهو الذي يبدو أنه يصر على ملاحقة تركيا مستغلًا الدعم الغير محدود من أمريكا والدول الغربية خاصة فرنسا والمانيا وبريطانيا.
تاكيد ونفى:
ووفق تقارير صحف دولية واسرائيلية شنت إسرائيل في 8–9 سبتمبر الحالىضربات جوية على مواقع في محافظات سورية عدة فى حماه وحمصواللاذقية واوضحت التقارير إن المواقع التى استهدفت كانت محددة أو سبق أن فُحصت من قبل عناصر تركية للاستخدامها كقواعد و إسرائيل لا تؤكد تفاصيل عملياتها علانية لكن صحفها نقلت معلومات عن استهداف مخازن صواريخ و منظومات دفاع جوى.
واظهرت تقاريردولية أن بعض الأهداف كانت في مواقع تعمل أنقرةعلى دراستها أو تهيئتها لوجودٍ عسكري تركي محتمل و من جهتهانفت تركيا استهداف مواقعها العسكرية وندّدت بالهجمات وان كان النفى التركى قد تم تفسيره بمحاولة انقرة تجنب الصدام مع تل ابيب وهروبا من الضغط الشعبى الداخلى الذى يطالب بالرد على العدوان الاسرائيلى.
تنافس استراتيجى:
الخلافات التركية الإسرائيلية في سوريا هي انعكاس لتنافس استراتيجي أوسع حيث تسعى أنقرة لتوسيع نفوذها وفرض منطقة عازلة فى شمال سورياتفصل بينها وبين الفصائل الكردية المسلحة التى تشن عملياتها العسكرية على البلاد منذ عشرات السنين بينما تسعى تل أبيب لمنع أي وجود عسكري تركي أو سوري قرب حدودها وفرض هيمنة مطلقة على سوريا بقصد الوصول الى دولة منزوعة السلاح تكون مسرحا لتحقيق اهدافها التوسعية فى البلاد.
وبعد سقوط نظام الأسد أصبحت سوريا ساحة تنافس مباشرحيث تسعىأنقرة إلى تثبيت نفوذها في مناطق شمال غرب وشمال سوريا لأسباب أمنية ومكافحة الأكراد والحفاظ على مصالحها والمشاركة فى اعادة الاعمار و من جهتها إسرائيل تعمل علي احباط أي تهديد من قواعد قد تستخدم ضدها خصوصاً وجود أنظمة صواريخ و أسلحة قد تهدد العمق الإسرائيلي وبسط سيادتها الجوية والعسكرية على سوريا وكانت العلاقات الإسرائيلية-التركية شهدت مراحل متقلبة من شراكة استراتيجية في تسعينيات وبدايات القرن الحادي والعشرين الى تدهور العلاقات إثر الاعتداء الاسرائيلى على مرمرةالتركية وإنقطاع طويل للعلاقات، أعقبها مسار تطبيع جزئي في 2016، ثم توترات متجددة بعد 2023 وما تلاها من مواقف أنقرة الداعمة للموقف الفلسطينى ضد اسرائيل.
مطالب بضرب تركيا:
اشارت مراكز وتحليلات إسرائيلية إلى أن إسرائيل سوف تتعرض لمخاطر كبيرة إذا سمحت لوجود تركي مسلح بالقرب من حدودها، وتدعو إلى اعتماد سياسة ردع استباقي مع حوار استخباري مستمر لتفادي اصطدام مباشر،كما تطالب بعض المراكز بالتنسيق مع واشنطن لمنع وقوع خطأ تصعيدى يمكن ان يؤدى الى حرب شاملة بين الطرفين وشددت وسائل الاعلام الاسرائلية على الطبيعة الاستباقية لضربات في سوريا وخطورة أي نشر تركي قرب نقاط حسّاسة، وبعض الأقلام دعت للحزم في مواجهة أي توسع تركي.
وبينما تنظر المراكز التركية الى سوريا بأعتبارها تقع في قلب الامن القوميالتركي وأن الحل العسكري الكامل غير مرغوب به إلا كخيار أخير؛ وتدعو إلى إدارة التوترعبر قنوات سياسية واستراتيجية مع العواصم الفاعلة رشحت منها واشنطن والدوحة ودبى.
في الوقت الذي ذهب فيه باحثون امريكيون الى ان الصدام بين الطرفين يمكن ان يضر بالأمن الإقليمي ويُعقّد جهود احتواء إيران أو إنهاء أزمات غزة/لبنان؛ ويدعوا هؤلاء الباحثون إلى آليات تفادي الصدام ويدعون الى الوساطة عبر دول إقليمية مثل أذربيجان و قطر كحلول عملية مؤقتة. بعضهم يرى أن إدارة ترامب تستطيع أن تكون ميسراً لكن ليس بالضرورة ضابطاً نهائياً للاتفاق ولكن التحالف الامريكى الاسرائيلى ضد تركيا ومحاولة استدراجها للحرب ظهر فى اصرار القوات الامريكية على البقاء فى الشمال السورى لحماية المتمردين الاكراد اضافة الى امتناع امريكا عن ادانة اعمال اسرائيل الاجرامية فى سوريا واستفزاز القوات التركية هناك وهو ما يؤكد الموافقة الامريكية على جميع تصرفات الكيان الصهيونى.