أيمن مزمل
المرحومة عائشة خليل البحر هي شهيدة الحُب، لاشك في هذا، فقد اختارها المولى عزوجل الى جواره في أيامٍ عصيبة من تاريخ مدينتها التي عشقتها (أم درمان)، إخِتارت في حياتها أن تنشئ روضة اطفال في ستينيات القرن الماضي، حتى إذا ما كبر هؤلاء الاطفال واصبحوا رجال دولة، أعيان، تجار، ورجال ثقافة وفكر، أشارت الى غرسها بفخرٍ يليق بها، هي تذكرهم بالخير كلما وجدت إلى ذلك سبيل، فذلك المسؤول كان
طفلاً وادعاً، والآخر كان طفلاً فصيح الكلام، والثالث كان ذكياً نابهاً، فقد ساهمت بحق وحقيقة في المقولة الاشهر (اللواري بتجيب وأم درمان بتربي!!)، كانت (رحمها الله تعالى) تُجيد فن النسب والقيافة مع ربط كل ذلك بالأحداث التاريخية لمدينة أم درمان، فقد كانت (داتا سنتر) متحركة، يكفي أن تعطيها أول إسمين من أسماء أحد سكان أم درمان القديمة، لتندهش من كمية البيانات المُخرجة، فأم درمان عندها عبارة عن حواديت وناس ودنيا..!!!، فتحكي عن العدني، وسوق ام درمان، والبوسته، وجورج مشرقي، والمسالمة، والمولد النبوي، والإذاعة، والنيل الخالد،
العيد يبدأ من عندها، من هناك، حيث حي الركابية في أم درمان، عندما كنا صغاراً، فتنتظرنا بقبلة على خدنا، نعالجها بمسحة عاجلة بكف الايد، كأي طفل سوداني اصيل يحترم نفسه!!، فتضحك بمليء فيها بمرح قبل أن تقدم الحلوى والعيدية، ليتكرر ذات المشهد مع ابنائنا بعد ذلك بسنوات، فقد كانت تجيد فن التعامل مع الأطفال، بقدر إجادتها للقصة الساخرة، فالحياة لديها ليست بأكثر من مسرح ضاحك كبير، آمنت بأن الكلمة الطيبة جواز سفر للقلوب، والحُب هو الباقي بين البشر،
هي لم تشهد تدمير مدينتها التي احبت بمنهجية التتار الجُدد، وسوق ام درمان الذي اصبح اثراً بعد عين، لم تمتلك جهاز هاتف ذكي ينقل لها أخبار الحرب التي اقتربت من دارها، فقد شاءت أقدار المولى عزوجل أن يقبض روحها قبل أن تعلم أن هناك نوعاً من البشر يجيدون زراعة الشوك، ويحبون الاذى، ويعشقون الشر،
حتى بتنا أكثر ايماناً وتصديقاً بنبوءة أشرف الخلق (صلى الله عليه وسلم) في آخر الزمان، حيث تُقبض ارواح المؤمنين، ويبقى على الارض اشرارها وعليهم تقوم الساعة، فكما ترى الاطهار يومياً يذهبون، والاشرار مازالوا يرتعون،