
في حرب الخامس عشر من أبريل 2023، حين شنت مليشيا آل دقلو الإرهابية هجومها الغادر على كيان الدولة السودانية، لم تكن تلك مجرد معركة عسكرية عابرة، بل كانت حربًا وجودية استهدفت قلب الدولة وروحها، بترتيب خارجي مكشوف، وبذراع سياسي مثلته قوى سياسية متلونة، تنقلت بين شعارات “قحت”، ورايات “تقدم”، وتحت عناوين “صمود” و”تأسيس”، وكلها كانت واجهات لمشروع واحد: إخضاع السودان وإسقاط مؤسساته.
في مثل هذه اللحظات الحاسمة، لا يبرز فقط دور القوات التي تواجه في الميدان، بل يتجلى أيضًا دور الأجهزة التي تعمل في الظل، وفي صمت، وفي عمق العدو. وهنا لابد من أن نقرظ ونرفع القبعة عاليًا لهيئة الاستخبارات العسكرية، وجهاز المخابرات العامة، اللذين أدّيا أدوارًا بطولية فارقة في هذه الحرب المفصلية.
لقد كانت طبيعة المهام التي تصدّت لها هذه الأجهزة أكثر تعقيدًا من مجرد جمع المعلومات، فقد تولّت الرصد العميق، والاختراق المتقن، وتنفيذ عمليات وقائية واستباقية وضربات موجعة ومركّزة داخل كيان العدو، وصلت أصداؤها إلى عمق معاقله الأمنية والسياسية. وهي مهام تتطلب خبرة عالية، وتخطيطًا استراتيجيًا، وعزائم لا تلين.
ويمكننا هنا أن نقارن هذه الأدوار بما شهده العالم في حالات مشابهة؛ فقد عرفت أجهزة استخباراتية عديدة مثل الموساد الإسرائيلي أو الاستخبارات الروسية تنفيذ مثل هذه العمليات الاستراتيجية الصامتة التي تقلب موازين المعارك، وتغيّر خريطة الواقع دون ضجيج.
وفي السياق السوداني، لا تزال كثير من العمليات التي نُفّذت، طي الكتمان، لا لشيء سوى لأن للحرب فصولاً لم تكتمل بعد، ولأن مصادر تلك العمليات لا تزال فاعلة داخل منظومات العدو – عسكرية كانت أو سياسية أو إعلامية. ومع ذلك، فقد تكشّف الكثير، ومنه ما غيّر مسار الحرب:
● لعل أبرز هذه العمليات كانت عملية إخراج القائد العام للقوات المسلحة ورئيس مجلس السيادة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان من القيادة العامة، وهي عملية نُفّذت تحت النار، وبخطة محكمة، وبطولات أسطورية، وكلفت شهداء سقطوا في معركة النهر أو على ضفافه. وقد ردّ الرئيس البرهان بنفسه على تخرصات برمة ناصر الذي ادّعى وجود تفاهمات خارجية لخروج القائد العام من مبني القيادة العامة ، مؤكداً أن ما حدث كان عملاً استخباريًا دقيقًا مكتمل الشروط ، وان ادعاءات برمة لا تعدو إلا ان تكون علامة من علامات ( الخرف ) .
● كذلك عملية إخراج الفريق أول شمس الدين كباشي، نائب القائد العام، من القيادة العامة، كانت عملية أمنية مركّبة، لا تقل بطولة ولا ذكاء عن سابقتها.
● أما إعلان القائد أبوعاقلة كيكل تحوّله من صفوف المليشيا إلى صفوف القوات المسلحة، فقد دلّ على عمل استخباري طويل المدى، عميق التأثير، لا يتم إلا بتخطيط استراتيجي رفيع، وربما يكشف المستقبل عن مزيد من هذه التحولات.
● كذلك، شهدنا ظهور بعض العناصر الاستخبارية بعد تحقيق الانتصارات في الفترة الماضية ، يخرجون من غرف عمليات العدو، التي كانوا يديرون منها حتى منظومات اتصالاته، وهم في الحقيقة تابعون لهيئة الاستخبارات أو لجهاز المخابرات العامة.
● نفذت هذه الأجهزة أيضًا عمليات قتالية نوعية داخل منظومات العدو، أو عبر عمليات اعتراض محكمة أحدثت اختراقات استراتيجية، وغيّرت مجريات المعركة في أكثر من جبهة.
أما على الصعيد الخارجي، فقد اضطلع جهاز المخابرات العامة بدور محوري في محاصرة المليشيا الإرهابية وداعميها، عبر التواصل الدولي، وتحقيق تفاهمات مهمة مع الحلفاء، و”تليين” مواقف بعض القوى التي كانت متماهية مع مشروع إخضاع السودان. وهنا تبرز أهمية جولات الفريق أول أحمد إبراهيم مفضل الأوروبية، التي أُعلن عنها في وقت سابق، والتي كانت محاورها سرية ولكن نتائجها بدأت تتجلى في مواقف بعض العواصم والمنصات الدولية.
ختاماً لا ينازعني اي هويً او تزلف ، كما لا يسعني إلا أن أقول بكل ما أوتيت من فخر واعتزاز: إن قوى الدولة السودانية الصلبة، ممثلة في هيئة الاستخبارات العسكرية وجهاز المخابرات العامة، هي صمام أمان الوطن، وهي حائط الصد الأول في الدفاع عن أمن السودان القومي، وعن مقدرات شعبه، وسيادته الكاملة على أرضه وقراره.
تعمل هذه الأجهزة في صمت، وتنجز في سرية، وتضحّي دون أن تُعرَف أسماء رجالها.. لكنها تبقى – وستبقى – في وجدان كل سوداني حر، رمزًا للكرامة، والواجب، والشرف ، والإنتماء لتراب هذا الوطن الذي اقسموا علي فداءه ( حتي ولو أدي ذلك للتضحية بحياتهم ) …
والي الملتقي ،،،،