الفرح والإغتباط ببلية الآخرين يُطلق عليه الشماتة وقيل أنها سرور النفس بما يصيب غيرها من الأضرار، وإنما تحصل من العداوة والحسد و تعرف في علم النفس بـ“ Schadenfreude” وأصلها من اللغة الألمانية ويقابلها بالإنجليزية Malicious joy، و الشماتة أيضا شعورا بالسعادة يتلذّذ فيه المرء بآلام غيره بسبب دوفع وجدانية يظن معها الشامت أنه يصيب فوائد متوهمة من حلول المصيبة بغيره باعتقاده باستحقاق المشموت به ما أصابه، فإذا حلّ بالمشموت به مرض أو حزن أو مصيبة أشعره ذلك بالرضا والفرح.
والشماتة خصلة ذميمة لازمت الإنسان الأول منذ حياته البدائية حيث التنافس علي جمع الغذاء، كما ورد ذكرها في القصص القرآني في الحوار الذي دار بين النبي موسي وأخيه هارون عليهما السلام حيث طلب الأول من أخيه كما قصّ القرآن في قوله تعالي “فلا يَشْمَت بي الأعداء” (الأعراف:150) أي: فلا تفعل بي ما هو أمنيَّتهم مِن الاستهانة بي والإساءة إليَّ. والمراد أن لا يحلَّ به ما يَشْمَتون به لأجله. كذلك –ورد ذكرها في السيرة عندما مات رسول الله صل الله عليه وسلم، شَمَتَت به نساء كِنْدة وحضرموت، وخَضَّبن أيديهن، وأظهرن السُّرور لموته، وضربن بالدُّفوف، فقال شاعر منهم:
أبلغ أبا بكر إذا ما جئته أنَّ البغايا رُمْن شرَّ مرام***
أظهرن مِن موت النَّبيِّ شَمَاتةً وخَضَّبن أيديهنَّ بِالْعَلَّام
المجتمع السوداني والشماتة
المجتمع السوداني كغيره من المجتمعات لا يخلو من ممارسة الشماتة و كان التعبير عنها شعورا مكتوما أو معلنا في دوائر ضيقة جدا وكانت أمراً مذموماً، والناس يسارعون إلى ذمّ الشامت ونهيه عن شماتته أو عن إظهارها، إلا أن مواقع التواصل الاجتماعي أظهرت مقدار الشماتة و كمية الحقد والحسد والبغض الذي ينفثه بعض السودانيون ضد من يخالفونهم الرأي واصبح الجهر بالمشاعر السلبيّة أو الشماتة يُعبر عنه بصراحة دون خجل أو استحياء، وانتقلت بذلك الشماتة من الفرد إلي الجماعة ومن الحيز الضيق إلي الفضاء الاسفيري الواسع حتي أضحي ذلك محبوبا يجذب المشاركات في تداول رسائل وسائل التواصل الاجتماعي التي تنشر تلك الشماتة مما يمثل إنحطاطا أخلاقيا يهدد سماحة المجتمع السوداني وسلمه الاجتماعي عبر بث الشماتة خاصة السياسية و الشماتة في الوطن.
الشماتة السياسية و الشماتة في الوطن
استغل البعض وسائل التواصل الاجتماعي لنشر المحتوي السياسي الشامت (شماتة سياسة) حتي أضحي ذلك جزءاً لا يتجزأ من الخطاب السياسي الذي تنشرة تلك الوسائل بصورة يومية، ففشي في المجتمع السوداني نوع من الاستقطاب السياسي بين الموالاة والمعاداة حول المشهد السياسي الحالي، فتشكل المشهد من فريقين أو إن شئت عدة فرق أو أقطاب، يحمل كل فريق أو قطب منهما أو منهم شرا مستطيراً إزاء الفريق الآخر بسبب الخلاف في الرؤي السياسية حول الأوضاع في السودان فاصبحنا نري استقطابا واصطفافا بغيضا لدرجة أن تلك الشماتة تجاوزت كل الأعراف السودانية الاجتماعية السمحة، فأصبح بعضنا يفرح بما يصيب خصومهم من السياسيين من مرض أو وفاة أو مصائب ولعلنا نلاحظ ذلك كثيرا في الرسائل المتداولة وكأن سنن المرض والموت أو المصائب لا تجرى علي من يشمتون، بل تجرى على غيرهم فقط ونسي هؤلاء أن الدنيا دوارة وأن الأقدار مصيرها أن تصيب يوما ما.
أ كثر من ذلك إيلاما أن يتعدي المحتوي السياسي الشامت الخلاف السياسي إلي الشماتة في الوطن فيما يصيبه من إبتلاءات آخرها الاعتداء الإثيوبي الغاشم علي جندنا البواسل وهم يؤدون واجبهم المقدس تجاه الوطن دون كلل أو ملل، ورغم ذلك ودون أي حياء يأتي البعض لينشر محتوا سياسيا مخذلا ولسان حاله يشمت في من لبي نداء الوطن واستشهد في أداء واجبه، و حجة الشامتون في الوطن أن الجيش يقتل شعبه وأن الجيش يسيطر علي الحياة السياسية وغيره المبررات الواهية التي تهدف إلي خدمة خطه السياسي و ليشكك في وطنية القوات المسلحة المؤسسة لأنه اختلف مع قيادتها حول شأن عام قابل للأخذ والعطاء بعقلانية من أجل الوطن و حضور جلاله ومحبته وليس تحقيقا للأجندة الخاصة أو تلك المدفوعة الثمن.
ليت هؤلاء علموا أن القوات المسلحة السودانية مؤسسة من مؤسسات الوطن بُنيت بعرق الشعب السوداني ودمه وفداها نفر كريم خلص بالمهج والأرواح عبر مثيرتها الظافرة وليتهم علموا انه لن يضر تلك المؤسسة ما يقع من بعض منتسبيها من تهم مخالفة للقانون أو تقدير سياسي لبعض قادتها نختلف حوله، لذا دعونا ننظر إلي ذلك من منظور وطني خالص فالإعتداء الإثيوبي الغادر الغاشم علي جيش السودان وقتل الأسري والشماتة بهم يستوجب أن ينسي الجميع خلافاتهم مع المؤسسة العسكرية في مثل هذه الأوقات، وأن تتجه الأنظار لدعم الجيش معنويا و إن دعا الداعي ماديا و إن دعا الداعي بالذهاب الي جبهات القتال لأن ذلك من أجل السودان ومن أجل الجيش المؤسسة وليس الأفراد أو القيادات.