تناولنا في ثلاث مقالات سابقة على هذا العمود البدائل أو الخيارات التي يمكن أن تلجأ لها الإدارة الاقتصادية في السودان بعد تجميد المعونات المالية الدولية البالغ قدرها 2675 مليون دولار. حيث ذكرنا إن من هذه البدائل حشد الموارد الداخلية والوطنية، والشراكات الاستراتيجية مع دول مختارة، وذكرنا جمهورية الصين كشريك مناسب.
نتناول اليوم المملكة العربية السعودية كشريك ملائم أيضا للسودان. يقع البلدان على البحر الأحمر. الموانئ البحرية لكل بلد تقع على مسافة لا تتجاوز300 كيلو متر عن موانئ البلد الآخر، تقطعها البواخر التجارية فيما لا يتجاوز 8 ساعات.
تتمتع المملكة العربية السعودية بموارد اقتصادية ضخمة، حيث بلغ الناتج المحلي الإجمالي بالقوة الشرائية للمملكة خلال العام 2019 مبلغ 1.609 تريليون دولار (الاقتصاد رقم 17 على مستوى العالم)، فيما بلغ نصيب الفرد من الناتج خلال العام نفسه 46962 دولار في المرتبة 34 عالمياً.
ظل الميزان التجاري بين البلدين في صالح السعودية خلال السنوات الأخيرة. علماً بأن حجم التبادل التجاري نفسه استمر هامشياً بالنسبة لحجم الصادرات والواردات الكلي في الاقتصاد السعودي.
الصادرات السودانية للمملكة العربية السعودية خلال العام 2020 بلغت 284.9 مليون دولار، وكانت أبرز الصادرات الحيوانات الحية، السمسم، الجلود. فيما بلغت الواردات من السعودية في نفس العام 910.8 مليون دولار، وكانت أبرز سلع الوارد من المملكة المنتجات البترولية، المصنوعات، الكيماويات، المواد الخام، الآلات والمعدات.
لا تتوفر إحصاءات دقيقة حول حجم الاستثمار السعودي المباشر بالسودان، حيث أن إحصاءات وزارة الاستثمار السودانية تتحدث عن عدد المشروعات السعودية المصدقة، وهي 512 مشروعاً، باستثمارات حسب دراسات الجدوى بقيمة 23 مليار دولار، ولكن إحصاءات وزارة الاستثمار لا تحدد المنفّذ على الطبيعة والذي يقدره البعض بما لا يتجاوز 20% من المصدق.
خلال العام 2016 وافق مجلس الوزراء والمجلس الوطني في السودان على منح السعودية مشروعاً زراعياً بمساحة مليون فدان على سد ستيت في شرق السودان، عبر اتفاقية مشتركة بين البلدين. غير أن المشروع ما زال في مرحلة دراسات الجدوى التي تحدد مستقبل الإنتاج سواء كان في مجال الثروة الحيوانية أو الانتاج الزراعي.+
لم تنعكس مشاركة السودان في التحالف العربي لإعادة الشرعية في اليمن، كقضية استراتيجية أولى في المملكة، على العلاقات الاقتصادية مع السودان، لا على صعيد المعونة الإنمائية الرسمية، ولا على مستويات الاستثمار الأجنبي المباشر السعودي، ولا على مستوى التبادل التجاري.
احتوت رؤية المملكة 2030 على نقاط تلاقي كثيرة مع خطط الإنعاش الاقتصادي بالسودان. حيث ورد فيها نصاً (إن الصناعات السعودية ستركز على نقاط القوة وتتجنب نقاط الضعف مثل موارد المياه الشحيحة، وذلك بتوجيه الاستثمار في مصر والسودان).
وعلى هذا توجد فرصة هائلة للتكامل الاقتصادي بين البلدين من خلال الموارد المادية التي تتمتع بها المملكة. والموارد الطبيعية الموجودة بالسودان. مع وجود أسواق كبيرة ومفتوحة على مستوى منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى، وعلى مستوى منظمة الكوميسا، ومستوى دول مجلس التعاون الخليجي. كما توجد فرصة للاستثمار المشترك للمعادن الموجودة في قاع البحر الأحمر بين الدولتين. ونواصل.