✍️ د/ عادل عبد العزيز الفكي
الحرب الروسية الأوكرانية ألقت بظلالها على الاقتصاد العالمي، حيث أثرت بقوة على امدادات الغذاء والطاقة. من المعلوم أن روسيا وأوكرانيا من أكبر منتجي ومصدري الحبوب الغذائية، وعلى رأسها القمح، لهذا يشهد العالم الآن تسابقاً محموماً نحو خلق احتياطات مقدرة من القمح، حيث لجأت الدول المنتجة للتخزين ومنع التصدير، مما أدى لرفع أسعار القمح في البورصات العالمية.
ومن ناحية أخرى تعتبر روسيا أكبر منتج ومصدر للغاز الطبيعي في العالم، وتمد دول الاتحاد الأوربي بالغاز من خلال عدد من خطوط الأنابيب. وقد ألزمت روسيا الدول الأوربية بشراء الغاز بالعملة الروسية (الروبل) مما أدى لارتفاع قيمة الروبل، وانخفاض قيمة الدولار الأمريكي. وأدى ارتفاع أسعار الغاز والبترول الخام والقمح لانطلاق موجة تضخم في مختلف أنحاء العالم، تأثر بها على وجه الخصوص المستهلك الأمريكي وهو أكبر مستهلك في العالم.
ولمواجهة موجة التضخم قرر مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي زيادة نسبة الفائدة بمقدار نصف بالمائة، وهذه سياسة نقدية تستهدف تقوية الدولار الأمريكي أمام العملات الأجنبية الأخرى، خصوصا الروبل الروسي، بعد أن قررت العديد من البلدان الأوروبية شراء الغاز الروسي بالروبل، بعد قرار الرئيس الروسي بوتين فرض الروبل الروسي كعملة وحيدة لشراء الغاز الروسي.
نتيجة لقرار مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي سوف تتجه رؤوس الأموال من مختلف أنحاء العالم للاستثمار في سوق السندات وأذون الخزانة الأمريكية، كما سيؤدي القرار لخفض التضخم في الولايات المتحدة الأمريكية بسحبه السيولة النقدية لداخل البنوك طمعا في الربح، كما سيقلل القرار من حجم التمويل المصرفي للمشروعات الجديدة، وهذا يؤدي أيضا لخفض التضخم داخل الولايات المتحدة الأمريكية.
قرار مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي زيادة نسبة الفائدة لا يتوقع أن يكون له أثر سريع على الاقتصاد السوداني لعدم اندماج هذا الاقتصاد مع الاقتصاد العالمي، لكن سوف تزداد وتيرة تدني العملة السودانية أمام الدولار بسبب القوة الإضافية التي سوف يكتسبها الدولار بقرار مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي زيادة نسبة الفائدة بمقدار نصف بالمائة.
يلاحظ أن أجهزتنا المعنية بوضع السياسات المالية، وهي وزارة المالية الاتحادية ونظيراتها بالولايات. وبنك السودان المسئول عن وضع السياسات النقدية، لم تصدر هذه الجهات أي سياسات متعلقة بهذا المتغير الدولي الهام، باستثناء منشور إدارة السياسات ببنك السودان المركزي رقم 25/ 2022 والمتعلق بإيقاف صادر الذرة والقمح والمكرونة والشعيرية.
نقترح سياسات مالية تصدرها وزارة المالية بالتشاور مع الوزارات المعنية والولايات تتضمن أول شيء تشجيع زراعة الحبوب الغذائية ذرة وقمح وذرة شامية وفول صويا ودخن في كل أنحاء السودان، في أكبر مساحات ممكنة.
بالنسبة للبنك المركزي يقترح في ظل ضعف الاحتياطيات من النقد الأجنبي ابتكار حلول لتمويل استيراد المدخلات، على سبيل المثال مع الشقيقة مصر يمكن الاتفاق على شحنات من القمح مقابل شحنات من سماد اليوريا، كذلك مع السعودية شحنات من القمح وفول الصويا مقابل المواد البترولية. هذه واحدة من طرق التجارة معروفة ويطلق عليها الصفقات المتكافئة، ويتم ضبطها محاسبياً بما يعرف بالدولار الحسابي، الذي كان يستخدم في وقت سابق مع الشقيقة مصر.
المهم هو التحرك وابتكار سياسات تؤدي من ناحية لتأمين امدادات السودان من الغذاء والطاقة، وتؤدي من ناحية ثانية لتحقيق أكبر استفادة من الأزمة بتحريك جمود اقتصادنا خصوصاً في شقه الزراعي. والله الموفق.