لفت نظري و أثار حيرتي حد فغر الفاه تعجباً الظهور الكثيف للافتات إحدى الحركات المسلحة (حركة جيش تحرير السودان جناح الأستاذ فلان إبن فلان إبن فلان ) في ما يسمى ب(المليونيات) المتكررة التي تسيرها جهات متعددة و الكل يزعم أنه أمها و أبوها !! هي ذات الحركة التي لا زالت تمانع في توقيع إتفاقية سلام مع حكومة الثورة، الحركة التي ظل رئيسها يعتلي المنابر يعلن رفضه لكل إتفاق أو تطور، ويعلن رفضه ومعارضته للجميع بدءً من رفقاء السلاح الذين وقعوا إتفاقيات سلام مع حكومة الثورة و مروراً بالمكون العسكري و حتى الحاضنة السياسية المدنية من الأحزاب، وهو ذات قائد الحركة التي إنقسمت حركته التي يزعم أنه مؤسسها و إلى بضع وخمسين حركة بسبب تعنته و قسوته وجموده في مواقف متطرفة لا يتزحزح عنها من برجه العاجي في العاصمة الفرنسية باريس! ويردد متفاخراً أن عناصره في قلب الحراك الثوري في شوارع الخرطوم!!وأنه وعناصره يسعون لأسقاط السلطة الحاكمة بالكامل لأنه يرى في الثورة بأجمعها نسخة ثانية من حكومة المؤتمر الوطني السالفة!
هذا الظهور الكثيف لخطورته ومعناه السياسي والأمني الكبير حاولت قنوات نقل المظاهرات التركيز عليه وكأنها تجر عينيك وإنتباهك جراً لتلاحظه والناس عنه كأنهم غافلون، ومكمن الخطورة التي يتجاهلها الناس أن ذات هذا القائد قد جلس ذات يوم بجوار أحد عرابي الحركات المسلحة من أبناء (الشمال النيلي) وهو يدعو لثورة شعبية مسلحة تقودها أحدى الحركات من داخل الخرطوم! وضرب أمثلة بسبعة دول حدث فيها ذلك! وذكر أن تجربتي الشهيد محمد نور سعد والشهيد خليل إبراهيم يعتبران تمرينان لهذا السيناريو!! وقد صفق القائد المذكور لهذا القول تأييداً وإعجابا!!فإن جمعنا هذه وتلك فلا حرج علينا إن ظننا أن ما يجري الآن بالخرطوم من تصعيد مستمر للمسيرات والمواكب المصحوبة بمشاهد الدم الموثقة بالصور الإحترافية، والمؤججة يوماً بعد يوم بكثير من الشهداء إنما يبدو كأنه مؤشرات حقيقية مهمة لتنفيذ المخطط المذكور والذي ربما سيأخذ مكانه في قادم الأيام في قلب الخرطوم مدعوماً ربما بقوى خارجية مؤيدة لمثل هذا السيناريو كأحد وسائل تحقيق هدفها في نسف الفترة الإنتقالية وإشاعة الفوضى والخراب بالبلاد.
تنفيذ مثل هذا المخطط يبدو حماقة كاملة الأركان، إلا أن تاريخنا السياسي الحديث مملوء بالحماقات، ونخبنا التي تخطط لمصائر شعبنا مملوءة بالإندفاع الأعمى ومقيدة بالإنصياع للخارج، وهي كالثعلب (تتوقع منو أي حاجة)، ومظهر الحماقة هنا أن الوضع الأمني بالبلاد لن يتحمل أزيز رصاصة واحدة تنطلق من أحد تجاه الآخر، فكيف سيكون الحال إن تحولت الخرطوم لساحة قتال بين الحركات؟ حركات بعضها ينوي دعم ثورة شعبية مزعومة والأخرى تقاتل لتمنع إنهيار سلام وقعته ومنحها سلطة وأقليم ووزراء؟ نواصل لنحلل المشهد.