اسامة عبدالماجد
أولاً: كانت استقالة مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى السودان، الألماني فولكر بيرتس من منصبه امس، مسألة وقت بعد أشهر من تصنيفه شخصا غير مرغوب به من قبل الخرطوم.. سيما وان الانتقاد المباشر له جاء من رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان الذي عزا في رسالة وجهها للأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، سبب طلبه استبعاد الرجل بأنه (أصبح مصدر انعكاسات سلبية تجاه الأمم المتحدة).
¤ ثانياً: توقع استقالة فولكر كانت كبيرة.. جاءت بعد اتهامات خطيرة وجهها اليه البرهان.. بضلوعه في تمرد مليشيا الدعم السريع المحلولة.. وأنه مارس التضليل في تقاريره، وقال: (إنه لولا إشارات تشجيع من جانب عدة أطراف بينها بيرتس.. ما كان لقائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو أن يتمرد).
¤ ثالثاً: خطوة بيرتس ستضعف قحت وبشكل كبير.. كان عراب سياساتها ويشكل ظهيرا سياسيا.. الهمس الذي يدور ان فولكر زار المتمرد حميدتي في حاضرة غرب دارفور ابان تواجد الاخير هناك لنحو شهرين وانه طلب منه مباركة الاتفاق الاطاري وحماية قحت من الجيش.. مقابل عدم ملاحقة حميدتي جنائيا داخليا وخارجيا في عملية فض الاعتصام وقضايا اخرى في دارفور.
¤ رابعاً: منذ تعيينه في منصبه في يناير 2021 لم ينسجم فولكر مع الحكومة خاصة في شقها العسكري.. يعود ذلك الى ان طلب استقدام البعثة الاممية تم بواسطة حمدوك وقحت دون مشورة العسكريين مما اعتبر تأمرا لذلك ساد العلاقة التوتر، وقد لوح البرهان بطرده أخر مارس 2022 خلال خطابه في حفل تخريج دفعات جديدة من الكلية الحربية.. وحذره بأن يكف عن التمادي في تجاوز تفويض البعثة الأممية و التدخل السافر في الشأن السوداني.. و بأن ذلك سيؤدي إلى طرده من البلاد.
¤ خامساً: اضطر فولكر الى ترك منصبه بعد ان حاصرته الحكومة وفضحت امام الرأي العام العالمي والمحلي.. بقيامها بعمل مهني واحترافي.. شكلت لجنة سيادية معنية بالتعامل مع مؤسسات الامم المتحدة والاتصال الخارجي. ترأسها عضو مجلس السيادة الفريق ابراهيم جابر.. عملت في هدوء تام بعيدا عن صراخ الراي العام. صححت ادائه من كراسة التفويض الممنوح له.
¤ سادساً: اول تحذير شديد اللهجة لفولكر جاء من لجنة جابر.. بعد سلسلة اجتماعات ناجحة لها اوفدت وكيل الخارجية وقتذاك السفير نادر يوسف الى نيويورك العام الماضي.. التقى وكيلة الأمين العام للشؤون السياسية وبناء السلام، وبعض الدول الأعضاء بمجلس الأمن.. سلم تلك الجهات مصفوفة تضمنت مطلوبات الخرطوم من (يونتامس). الدور الذي يجب أن تضطلع به وفقاً لولايتها.. اصابت المصفوفة الجميع بدوار، بعد سيل المعلومات التي اثبتت تجاوز فولكر تفويضه.
¤ سابعاً: ماكانت الحكومة ستجبر فولكر على الاستقالة او ينجح عمل اللجنة السيادية.. لولا الجهد الكبير الذي ظلت تقوم به بعثة السودان لدى الامم المتحدة بنيويورك.. كان رئيس البعثة السفير الحارث واركان سلمه يلوحون بالبطاقة الحمراء في وجه فولكر بطريقة ذكية.. في الشهر الماضي خلال جلسة مخصصة للسودان ودولة الجنوب، ندّدت السفيرة الأميركية ليندا توماس بغياب فولكر واستنكرت تلويح السودان من أنه إذا شارك في الاجتماع فإن هذا الأمر سيضع حدا للبعثة في السودان. وامس قاطع السودان الجلسة بسببه.
¤ ثامناً: قوبل فولكر بموجة عاتية من الرفض الاهلي لوجوده وصلت قمتها (26) يناير 2022 عندما تم تحريك مسيرة شعبية ضخمة طرقت بابه، وقالت إن السيادة خط أحمر.. التظاهرة حفزت البرهان لتوجيه اتهامات للرجل بعدم الحيادية.. اختيار تاريخ التظاهرة 26 يناير
(مقتل غوردون وتحرير الخرطوم)..كانت له دلالاته التي افزعت فولكر.
¤ تاسعاً: قد تكون استقالة فولكر محفزا للحكومة لانهاء امد البعثة بعدم التجديد لها في ديسمبر المقبل.. خاصة بعد فشلها في احداث الانتقال الديمقراطي.. ولو انتهت ولاية يونتامس، سيكون ذلك ضربة موجعة لقحت وانصارها.. خاصة من اقلام انتهازية ذلك تتكسب من وراء فولكر باسم الصحفيين.
¤ عاشراً: قد يعتبر البعض خطوة فولكر انتصار للحكومة واحباط مخططات خارجية.. لكن بالمقابل قد يكون الرجل نجح بامتياز في مهمة خفيه له.. وهي اشعال الحريق وتدمير البلاد.. خاصة عند النظر لتجربته غير المشرفة قبل سنوات قلائل في سوريا.. عندما عمل مستشار أول للمبعوث الخاص للأمين العام ، ورئيس فرقة العمل المعنية بوقف إطلاق النار في سوريا. ¤ ومهما يكن من امر فان فولكر الذي يجيد اللغة العربية باحث وكاتب متخصص فيالتحولات الإقليمية في الشرق الأوسط.. وهذا مايستدعي التقصي حول ماكان يقوم به.