د. عادل عبدالعزيز الفكي
انخفض الجنيه السوداني أمام العملات الأجنبية انخفاضا مريعا ينذر بكارثة اقتصادية. خلال الأسبوع الأول من مايو الحالي بلغ متوسط سعر الدولار 1445 جنيه سوداني، والدرهم الاماراتي 425 جنيه سوداني، الريال السعودي 405 جنيه سوداني، الجنيه المصري 33 جنيه سوداني. هذا يمثل انخفاضاً بنسبة 12% على الأقل خلال فترة قصيرة.
يعزى الانخفاض لسببين: الأول اقتصادي، والثاني متعلق بالمضاربة. السبب الأول المتعلق بالأوضاع الاقتصادية يتضح من خلال الفجوة الهائلة التي تتسع يوما بعد يوم في الميزان التجاري ما بين احتياجاتنا من النقد الأجنبي للاستيراد، وما بين مواردنا المتاحة من النقد الأجنبي.
في السودان نحتاج لاستيراد المواد البترولية، والأسمدة والمبيدات، والمواد الغذائية مثل القمح والدقيق والسكر والزيوت النباتية، والأجهزة والمعدات ووسائل النقل، والأدوية والمستحضرات الطبية، بقيمة 11 مليار دولار (إحصاءات البنك المركزي 2022). بينما صادراتنا المتمثلة في الذهب والسمسم والحيوانات الحية والقطن والفول السوداني والصمغ العربي هي في مجملها في حدود 4.4 مليار دولار. معنى هذا أن العجز في الميزان التجاري هو 6.7 مليار دولار. الموارد الأخرى التي يمكن أن تقلل من أثر هذا العجز (وتحسب ضمن ميزان المدفوعات) والمتمثلة في القروض والمعونات الأجنبية، وتحويلات المهاجرين، والعائد من استخدام المجال الجوي السوداني، ورسوم مرور بترول الجنوب.. وغيرها، تضاءلت بسبب الحرب الى حد بعيد، فأصبح بنك السودان عاجزاً عن تغطية احتياجات الاستيراد، ليصبح الحل الوحيد لتغطية احتياجات الاستيراد هو شراء العملة الأجنبية من السوق المحلي أو من المصدرين أو المهاجرين، وهنا انفتح باب المضاربة على الدولار بواسطة تجار العملة وتجار الأزمات.
يحاول البعض رمي اللوم على تطبيق (بنكك)، وهو وسيلة التحويلات الالكترونية التابعة لبنك الخرطوم، في انه هو السبب في انهيار قيمة الجنيه السوداني. بالطبع هذا غير صحيح، لأن الانهيار أسبابه هيكلية أوضحناها أعلاه، لكن من المؤكد أن سهولة التحويل عبر بنكك، وتركز حسابات السودانيين فيه سهل من عمليات المضاربين.
وعلى هذا تبدو المعالجة ذات شقين الأول هيكلي والثاني فني وتقني. المعالجة الهيكلية يقترح أن تتضمن قرارات سيادية حاسمة باستخدام اليوان الصيني والروبل الروسي في عمليات التبادل التجاري، على أن يكون هذا ضمن تفاهمات استراتيجية مع هاتين الدولتين، تضمن تفعيل الاتفاق الاستراتيجي مع الصين الموقع 2013 والذي تم تجديده 2017 والمتضمن فتح بنوك سودانية بالصين وبنوك صينية بالسودان. وتوقيع اتفاق مماثل مع روسيا. على أن يخصص صادر السودان من الذهب لهاتين الدولتين.
الأمر الثاني الضروري هو الحصول على ودائع دولارية للبنك المركزي من كل من قطر والسعودية. وتوقيع اتفاقيات استيراد مواد بترولية مع الجزائر والسعودية وسلطنة عمان مقابل صادرات لحوم، وحيوانات حية وسمسم وأعلاف.
الأمر الهيكلي الثالث المطلوب تفعيل استخدام الدولار الحسابي في التجارة مع الشقيقة مصر، وتشديد الرقابة على الحدود المشتركة لمنع التهريب.
المعالجة الفنية والتقنية تتضمن تنشيط عمليات الأمن الاقتصادي ضد المضاربين في العملة برصدهم ومصادرة حساباتهم تحت قانون الطوارئ. وقيام بنك السودان بإلزام بنك الخرطوم بوضع سقف للتحويلات بنظام بنكك، على أن تتم متابعة الحسابات المتعددة التي تملكها جهة واحدة بواسطة مسئولي الالتزام ببنك السودان وبنك الخرطوم، وفق الصلاحيات الممنوحة لهم تحت قانون محاربة الارهاب ومكافحة غسيل الأموال. مع العمل على استعادة بيانات وعمل شركة ebs (شركة الخدمات الالكترونية المصرفية) الموحدة لعمليات البنوك الالكترونية تحت مظلة تقنية واحدة. والله الموفق.