بقلم السفير عبد المحمود عبد الحليم
..
….أقام قطرى بن الفجاءة ، شاعر القوة والحماسة والخطيب المفوه ، بقطر ، و سمى باسم كيانها الذى كان معروفا قبل الإسلام على نحو ما ورد فى ” معجم البلدان ” لياقوت الحموى، و فى خرائط عالم الجغرافيا بطليموس، ويذكر هيرودوت فى القرن الخامس قبل الميلاد ان اول من سكن قطر هم القبائل الكنعانية التى تميزت فى مجالات التجارة والملاحة البحرية ، وبدأ كذلك ان اسمها الذى ورد بشكل اقرب لاسمها الحالى في الخرائط اليونانية القديمة يعنى القطر والأمطار الغزيرة بها فى ذلك الزمان….لم تكن إقامة ابن الفجاءة ،امام الخوارج الازارقة ، الذى قدم لقطر من موقع بالكويت الحالية الا سيرة ذائعة الصيت باحداثها وحروبها التى امتدت على عهد مصعب بن الزبير الذى خلف شقيقه عبد الله واليا على العراق ، والحجاج بن يوسف ..وقد عرف قطرى بن الفجاءة بشجاعة عكستها أشعاره وأبرزها…”اقول لها وقد طارت شعاعا من الأبطال ويحك لن تراعى..فإنك ان سألت بقاء يوم على الأجل الذى لك لم تطاعى… وماللمرء خير فى حياة اذا ماعد من سقط المتاع…” وعندما اقترب منه الموت اقبل عليه ولم يدبر…يأتى الحاضر بأشكاله ومظاهره ليتفيأ ارث الماضى وتعود البلاد لواجهة الأحدأث فتأوى الى خيمة بدوية كالتى كان يقطنها ابن الفجاءة مستلهمة تصميمها فى تشييد استاد “البيت” بقطر الذى يستضيف فى السابعة من مساء العشرين من نوفمبر الجاري مباراة الافتتاح لأهم وأبرز الأحداث الرياضية العالمية على الاطلاق عندما يلتقى منتخب قطر بزيه العنابى بمنتخب الاكوادور بقمصانه الصفراء تدشينا لمنافسات كاس العالم نسخة عام ٢٠٢٢ فى مجموعة تضم الى جانبهما السنغال وهولندا ، وتكتسب هذه النسخة أهميتها لكونها المرة الأولى منذ انطلاق منافسات كاس العالم عام ١٩٣٠ التى تقام ببلد عربى وشرق اوسطى والمرة الثانية التى ينظم فيها كاس العالم ببلد آسيوي بعد أن تشاركت كوريا الجنوبية واليابان فى استضافة نسخة عام ٢٠٠٢..
سحرت المستديرة قلوب الملايين حول العالم فهاموا بها…افتن بشرائعها ونظمها الشاعر معروف الرصافى، ويذكر التلاميذ قصيدته لها : “قصدوا الرياضة لاعبين وبينهم كرة تراض بلعبها الأجسام…..وقفوا لها متشمرين فالقيت فتعاورتها منهم الاقدام… يتراكضون وراءها فى ساحة للسوق معترك بها وصدام…وبرفس أرجلهم تساق وضربها بالكف عند اللاعبين حرام.”…
لم يكن حال كرة القدم وطريقة ممارستها عام ١٠١٦ عند الإنجليز رواد اللعبة متماثلا مع وصف الرصافى…..ولاندرى ماذا كان سيقول وتقول الجماعات الحقوقية ازاء بشاعة الممارسة وقتها ، فقدكانت الكرات التى يلعبون بها فى احتفالاتهم باجلاء الدنماركيين عن بلادهم هى جثث الدنماركيين ، فكانت اعضاء واجزاء اجسامهم تتناثر و تتدحرج كما الكرات ..وهى الممارسة الفظة التى دخلت تاريخ ممارسة كرة القدم قبل ان تجرم لاحقا بمراسيم ملكية ..ولكرة القدم تاريخ قديم فقد عرفها ومارسها الصينيون قبل ما يزيد عن ٢٥٠٠ عام قبل الميلاد ، وعرفها اليونانيون واليابانيون..على ان شكلها الحالى يعود للانجليز حيث انتشرت ممارستها فى المدارس الإنجليزية منذ عام ١٧١٠ وتتابعت مراحل تطورها بتأسيس نادى شيفيلد عام ١٨٥٧ كاقدم نادى لكرة القدم فى العالم ، وتبع ذلك وضع قوانين منظمة لممارسة كرة القدم بحلول عام ١٨٦٢ ، وأخذت كرة القدم فى الانتشار عالميا مع انتشار البعثات البريطانية التجارية والتعليمية والعسكرية وغيرها..وعلى النطاق العالمى جاء انشاء الاتحاد الدولى لكرة القدم(الفيفا) فى ٢١ مايو عام ١٩٠٤ بباريس بأعضاء مؤسسين هم فرنسا وبلجيكا وهولندا والدنمارك وإسبانيا والسويد وسويسرا والمانيا كتطور أساسي نحو عالمية كرة القدم حيث بلغت عضويته حاليا ٢١١ اتحادا ، و قد كان من إنجازات الفيفا بعيد نشأتها تنظيم اول بطولة لكاس العالم عام ١٩٣٠ بارقواى التى فاز منتخبها بالبطولة..ومنذ ذلك الحين ظلت الفيفا تنظم منافسات كاس العالم كل اربع سنوات توقفت فقط ابان الحرب العالمية الثانية وكانت آخرها النسخة التى نظمت بروسيا ونالت فيها فرنسا كاس البطولة،وقد حظيت ثمانية منتخبات بالفوز بكأس العالم خلال النسخ الحادية والعشرين التى نظمت منذ عام ١٩٣٠ حيث تصدرت البرازيل القائمة بحصول منتخبها بالكأس خمس مرات واربع مرات لكل من ايطاليا وألمانيا ومرتين لكل من الارقوى والأرجنتين وفرنسا ومرة لكل من بريطانيا واسبانيا….لم تتضاعف فقط عضوية الفيفا بل تحولت من مجرد مؤسسة رياضية غير ربحية الى إمبراطورية ضخمة بقوة مالية واستثمارية تفوق مداخيل عشرات الدول، وباتت كرة القدم تشكل ثالث أكبر اقتصاد في العالم من وجهة نظر خبراء اقتصاديين ، وتستند موارد الفيفا فى الأصل على التسويق وحقوق البث التليفزيونى وتذاكر المباريات وتنعش منافسات كأس العالم التى تنظمها اقتصاديات الدول المستضيفة فقد سجل اقتصاد روسيا التى استضافت المونديال السابق انتعاشا بنسبة قاربت ٢% بسبب الحراك الاقتصادي الذى أحدثه كاس العالم فيها بعد التباطؤ الناجم عن العقوبات الغربية وانهيار أسعار النفط العالمية…وبلغ العائد الاقتصادى للبطولة ١.٦ ترليون روبل….
…بالهدف الرابع الذى أحرزه كيليان مبابى نجم منتخب فرنسا في مرمى منتخب كرواتيا معلنا حصول فرنسا على نسخة كاس العالم التى استضافتها روسيا بنتيجة ٢/٤ اتجهت الانظار ترقبا وانتظارا لمونديال قطر الذى كانت الموافقة عليه قد تمت فى ديسمبر من عام ٢٠١٠..منذ ذلك الحين ملأ امر استضافة قطر للمنافسات الدنيا وشغل الناس، وفى هذا يقول أمير قطر الشيخ تميم بن حمد ان بلاده قد تعرضت لحملة ظالمة وممنهجة لم تتعرض لها اى دولة مستضيفة، وكان يشير بذلك للحملات المتصلة بحقوق الإنسان ومعاملة العمال الأجانب الذين استخدموا في أعمال البناء وتشييد المرافق العديدة أعدادا للمنافسات، وتزعم هيومان رايتس ووتش ان حوالى ٦٥٠٠ من العمال من الهند وباكستان ونيبال وسيريلانكا وبنغلاديش لقوا حتفهم بين ٢٠١٠ و ٢٠٢٠ بسبب أوضاع وظروف العمل الصعبة ، وهى انتقادات اضافوا اليها مؤخرا مايصفونه بمعاملتها التمييزية ضد المرأة والشاذين جنسيا، وقد تم استدعاء السفير الالمانى فى الدوحة لنقل احتجاج ورفض قطر لتصريحات وزيرة الداخلية الالمانية المسئولة عن قطاع الرياضة نانسي فيزر، وفى هذا يقول وزير الخارجية القطرى ان الادعاءات الغربية متعجرفة تماما و عنصرية تماما،وقال إن ازدواجية معاييرهم تكمن فى انهم فى الوقت الذى يضللون شعوبهم بهذه الأباطيل لا يجدون حرجا ومشكلة فى الاستثمارات والعلائق الاقتصادية التى يقيمونها مع قطر…اذا كانت الحملة التى صوبت ضد قطر قد استوجبت التنديد بها من القمة العربية بالجزائر مؤخرا فان مونديال قطر يدخل تاريخ المنافسات حيث انه الأضخم من ناحية التكلفة المالية وعلى نحو قد تتساوى فيه نفقاته او تزيد مع ماتم إنفاقه فى كافة النسخ السابقة لمنافسات كاس العالم حيث تبلغ تكلفة مونديال قطر ٢٢٠ مليار دولار أمريكي تتم باشراف اللجنة العليا للمشاريع والتراث التى عكفت طوال الاحدى عشر عاما المنصرمة على انتهاج سياسة انفاق مدروسة لا ترتبط فقط بالمنافسة وانما تجعلها نقطة انطلاق وآلية لتنفيذ رؤية قطر ٢٠٣٠ الاستراتيجية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية وتحويل قطر لمجتمع عالمى وتوفير مستوى معيشى أعلى لشعبها وجعل البلاد مركزا تجاريا وسياحيا في المنطقة وتحديث مرافقها وتوسيع نطاق مبادراتها فى النقل والتجارة والاقتصاد والخدمات وتعزيز قوتها الناعمة واعادة تعريف وتحديد وتمتين تأثيرها ومكانتها و تفعيل أهداف سياستها الخارجية، وتتوخى اللجنة العليا فى مشاريعها استراتيجية الاستدامة واستضافة بطولة تضع معايير للتنمية البشرية والاجتماعية والبيئية وهى بذلك اكبر من حدث رياضى يتوفر فيها استخدام حلول للطاقة المتجددة والحد من الانبعاثات وخالية من البصمة الكربونية بمساحات خضراء ونباتات مقاومة للجفاف.. وقد شملت المشروعات التى يمتد أثرها لما بعد المونديال تنفيذ شبكة جديدة للمترو ومطار دولى وطرق حديثة وحوالى مائة فندق جديد ومرافق ترفيهية، ويذهب الجزء الأكبر من الاستثمارات لتنفيذ رؤية قطر الوطنية ٢٠٣٠..أما الاستادات الثمانية التى تم تشييدها بتقنية عالية وبمواصفات مبتكرة مثل “استاد ٩٧٤ ” الذى يرمز للكود الدولى لقطر ولعدد الحاويات التى صنع منها ، وبتكلفة بلغت سبعة مليارات من الدولارات فسوف يتم الإبقاء على ثلاثة منها لاستقطاب منافسات محلية وإقليمية ودولية مثل نهائى كأس أوروبا وتفكيك خمسة واعادة تحويلها لأغراض بديلة ومرافق ومجمعات ومد ارس ومستشفيات ونقاط انطلاق سياحية..ويؤمل أن يؤدى ذلك لاحقا الى اعتماد قطر على ثروات ومصادر أخرى بخلاف اعتمادها الحالى على الطاقة ،ويؤكد خبراء الاقتصاد ان كأس العالم سوف يؤدى إلى إنعاش ونمو الاقتصاد القطرى بنسبة كبيرة، كما يتوقع ان تؤدى الوجهات السياحية والترفيهية الى قدوم مايقدر بثلاثة ملايين زائر لقطر عام ٢٠٢٣ يصل عددهم الى اربعين في السنوات اللاحقة..أما خلال فترة الشهر من انطلاق منافسة كاس العالم باستاد البيت وختامها بقيام مباراة نهائى الكاس باستاد لوسيل المسمى على زهرة نابتة هناك فانه يتوقع دخول ما بين مليون و ٢٠٠ ألف الى مليون و٧٠٠ ألف زائر..
..وللغناء والموسيقى فى المونديال نصيب…فعلاوة على النشاطات والحفلات الفنية المصاحبة للفعاليات الرياضية فان التركيز يتم على المشاركات الغنائية فى حفل الافتتاح الذى يبدأ قبل ساعتين من انطلاق مباراة قطر والاكوادور ، ويتوقع أن يكون الحفل تاريخيا ومبهرا وبتقنيات عالية لإخراج الفقرات التى من بينها نشيد المنافسة والاغاني ذات الصلة بذلك العرس العالمى..وفى الوقت الذى لم يعلن فيه بعد عن القائمة النهائية للفنانين المشاركين فقد أكدت فرقة BTS الكورية بقيادة النجم العالمى جونق كوك مشاركتها والفنانة اللبنانية ميريام فارس والعراقية رحمة رياض والمغربية نورا فتحى والمصرى حسن شاكوش والاماراتية بلقيس والكولومبى جى بالفين وربما مشاركة سعودية ، ولم تؤكد المشاركة بعد نانسي عجرم وشاكيرا …لكم تمنينا ان تكون بلادنا ضمن هذا العرس الدولى..ان لم يكن بكفر فبوتر ضمن الفنانين الذين تقوم الفيفا بدعوتهم .وأحسب أن ببلادنا من المبدعين مايبز من تمت دعوتهم ….الرياضة الية ضخمة للتكاتف القومى و للتضامن والتعاضد الدولى والإقليمي.. وقد كان لبلادنا مبادرات نفخر بها مثل تأسيس الاتحاد الافريقى لكرة القدم( الكاف) واستضافتنا لأول منافسة إفريقية بالخرطوم نجحنا خلالها فى حرمان جنوب افريقيا من المشاركة بسبب سياسات الابارتايد والفصل العنصرى التى تنتهجها انتقل بعدها النموذج الذى ارسا٥ السودان ليصبح سياسة تبنتها المنظمات الإقليمية والدولية…نكرر قول ذلك حتى لاننسى …وبعد ، فإن مونديال قطر هو آخر منافسة يشارك فيها كما هو معتاد ٣٢ منتخبا…إذ تقرر زيادة المنتخبات ليكون عددها ٤٨ منتخبا ابتداء من النسخة القادمة عام ٢٠٢٦ التى تستضيفها ثلاث دول هى الولايات المتحدة وكندا والمكسيك….