عادل الباز
1
ليست هذه المرة الأولى التي تشاهد فيها أوروبا الإبادة فى أفريقيا وتغمض عينيها، حدث ذلك في رواندا 1994م.
والآن أشاحت ببصرها بعيداً وهي ترى الجنجويد يحملون أسلحتهم ويمارسون هواياتهم في الإبادة على الهواء مباشرة كما تفعل اسرائيل. ولكن هذه المرة يبدو أن الأمر غير، ستضطر أوروبا رغماً عن أجندتها أن تغير موقفها لتدين فظائع الجنجويد الذين قال عنهم الروائي بركة ساكن (لم يتمظهر الشر في كليَّتِه في الكون إلا في الجنجويد، فإنهم شر خالص.)، وإليكم القصة.
2
يجتمع مجلس الكتلة للشئون الخارجية لأوروبا في 11 ديسمبر المقبل ليقيم الأوضاع في السودان وليوحد موقف أوروبا المنقسم حول الأوضاع و الوسائل المناسبة للتعامل مع أطراف الحرب. أعلن هذا الاجتماع المفصلي لتحديد الموقف الأوروبي قبل شهر تقريباً، ولسوء نية الداعمين للتمرد وقعت أحداث جِسام في دارفور خلال الفترة المنصرمة وفرضت عليها مواقف أكثر موضوعية ورشدا.
لقد بدأ فعلاً التحول التدريجي في الموقف الأوروبي بعد أن رأت دول الترويكا ما تفعله مليشيات الجنجويد في مدن دارفور التي احتلتها فقررت الخروج عن صمتها الطويل والمريب وأصدرت الولايات المتحدة والنرويج وبريطانيا المعروفة بـ الترويكا الدولية بياناً مشتركا في 17 نوفمبر الجارى أدانت فيه تصاعد أعمال العنف وانتهاكات حقوق الإنسان في السودان، وقالت إن “هذه الانتهاكات شملت وفقاً لتقارير موثوقة عمليات القتل الجماعي بما في ذلك الاستهداف العرقي للمجتمعات غير العربية وغيرها من المجتمعات وقتل الزعماء التقليديين والاعتقالات غير العادلة وعرقلة المساعدات الإنسانية”.
3
من جهة أخرى، أكدت أنيت فيبر مبعوثة الاتحاد الأوروبي للقرن الأفريقي في حوار لها مع صحيفة الشرق الأوسط في 24 نوفمبر الجارى أن (الفظائع والانتهاكات لحقوق الإنسان لا يمكن أن تمر دون عواقب، كاشفة أن الاتحاد الأوروبي يدرس فرض عقوبات بشكل تدريجي ووقف الإمدادات المالية على الهيئات والمنظمات والدول التي تؤيد وتموّل الحرب.)
تُرى لماذا هذه الاستفاقة المتأخرة لدول الاتحاد الأوروبي وهذه الهرولة لتحديد موقف من الحرب في السودان؟.
وما هي حقيقة أن هذه الهرولة لتغيير الموقف الذي اتخذته هذه الدول منذ بدأت الحرب بل وقبلها.!!.
كيف؟
4
دعمت دول الاتحاد الأوروبي كلها الاتفاق الإطاري الذي كان إقصائياً لأبعد درجة بسبب أن القوى العلمانية المتحالفة معها ترى أنه الطريق الوحيد للوصول إلى السلطة يتمثل في إزالة خطر الإسلاميين وتحجيم الجيش وإبعاده من السلطة، وتجريده من مصادر قوته، ولا يمكن أن يتم ذلك إلا بالاستعانة بالجنجويد (قوات الدعم السريع آنذاك)، وعدم توقيع الاتفاق الإطاري يعني (الحرب) وهذا ما قاله حلفائهم، وهو ماحدث فعلاً.
لإنجاز هذا البرنامج قررت أوروبا شراء هذه الأكاذيب من حلفائها في المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير وهي غير غافلة عن الحقائق ورغم ذلك وافقت شلة السفراء الأوروبيين المتواجدين آنذاك في الخرطوم أن تظل مليشيات الجنجويد بحسب الإطاري موجودة تتصدر المشهد كتفاً بكتف مع الجيش ولمدة عشرة سنوات قادمة.!!. لم تفعل ذلك أوروبا فحسب، بل وافقت على إقصاء كل القوى التي شاركت فى الثورة عن الاتفاق ولم تحفل بها نهيك عن القوى الأخرى التي تم دمغها بأنها (فلول). لم تأبه شلة السفراء إلا بشرذمة قليلة من حلفائها وجعلتها هي وحدها المتاح لها تسنم السلطة بناء على برامجها المعلنة والتي ترضى عنه أمريكا والترويكا.
قبل 48 ساعة من الحرب، التقت سفيرة الاتحاد الأوروبي حميدتي (نائب الرئيس وقتئذٍ) الذي قال لها علناً (البرهان إذا لم يوقع الإطاري سنقبض عليه ونلقي به في السجن.). وقد دون ذلك في وثائق وزارة الخارجية. ولكن هذه السفيرة عندما خرجت أعلنت أن كل شيء تمام وأنها مطمئنة للوضع.!!. كانت تعلم ما يُحاك لكنها لاذت بالصمت حتى تدع المؤامرة تمر.
5
ثم بعد أن وقعت الحرب، رفضت إدانة الجنجويد واجتهدت بريطانيا في تحشيد الموقف العالمي في مجلس الأمن لإدانة السودان بعد مرور أقل من عشرة أيام من بدء الحرب، وساوت بين المتمردين والجيش السوداني، ثم اجتهدت في دعم انحيازات القادة الأفارقة للتمرد ووضعت مع الأمريكان، خطة (خفض التصعيد) التي وضعتها مولي في، مساعدة وزير الخارجية الأمريكي للشئون الخارجية (جنجويد الإمبراطورية) وتبنّاها الاتحاد الأفريقي، وفشلت.
بعد كل تلك المجهودات والمواقف الداعمة للتمرد، لماذا تسارع أوروبا الآن بإصدار الإدانات للجنجويد.. ولماذا تسعى لتعديل موقفها؟.نواصل